زحلة على خطى صيدا: انفصال انتخابي عن المحيط

لوسي بارسخيان
الثلاثاء   2017/02/14
التغيرات الديمغرافية من حجج الدعوة إلى الانفصال (لوسي بارسخيان)

حرك رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب المياه السياسية الراكدة في المدينة، من خلال طرح قدمه يقوم على جعل زحلة دائرة انتخابية منفصلة في زحلة. وذلك بهدف "تحرير صوت المدينة وبعض محيطها من تأثير الاصطفافات السياسية (الطائفية) وتسمح بالتالي في ايصال نواب الدائرة أياً كان عددهم بأصوات الزحليين".

يشدد زغيب على أنه "إذا كان هناك تفكير في تعديل الدوائر الانتخابية حفاظاً على خصوصية طوائف أو زعامات حزبية أو مناطق، فلزحلة خصوصيتها التي يجب أن تحترم في دائرة منفصلة، خصوصاً أن هذه الدوائر الانتخابية ستعرّف الدوائر الإدارية مع تطبيق اللامركزية الإدارية، ويجب أن يكون أهلها متجانسين ثقافياً".

أما ما يطرحه للنقاش والبحث مع أبناء المدينة فيقضي إما بفصل زحلة عن قضائها، فتكون المدينة دائرة قائمة بذاتها على غرار صيدا، التي يرى فيها نموذجاً للعلاقة المطلوبة بين الناخب والنائب، أو تكبير الدائرة لتضم القرى المدرجة في الدراسات الانمائية التابعة لمجلس الانماء والاعمار تحت خانة "زحلة الكبرى"، التي تضم قرى وبلدات "منسجمة ثقافياً"، كما يقول، مع احترامها التباين الموجود في محيطها، حتى تعرف كيف تدير أمورها.

ولطرح زغيب عن "التجانس الثقافي" خلفيات تتعلق أولاً بالاصطفافات السنية والشيعية التي "أخفت الصوت المسيحي المتنوع" في الانتخابات النيابية الماضية، فـ"صعقت" زحلة بالسقوط المدوي للنائب الراحل الياس سكاف مع لائحته.

وقد قفز الطرح إلى الواجهة أيضاً اثر النقاشات الرباعية مركزياً، والتي اقترحت ضم دائرة البقاع الغربي إلى قضاء زحلة، ما أثار ردود فعل غير مرحبة. ويشرح الدكتور انطوان ساروفيم، المدير السابق لكلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية والخبير في الدراسات الانتخابية، كيف يُفرغ ضم القضائين زحلة من قوتها، وينقلها إلى مكان آخر غير واضح. ويقول: "وفق هذا التقسيم، فإن نواب دائرة زحلة والبقاع الغربي سيتوزعون طائفياً كالآتي: ثلاثة مقاعد للسنة، ومقعدان لكل من الكاثوليك، والأرثوذكس، والموارنة، والشيعة، ومقعد واحد لكل من الأرمن والدروز. ما يعني أن الكاثوليك في أكبر مدينة مسيحية كاثوليكية سيحلون في المرتبة الثانية بعد السنة كوجود سياسي. ويستتبع ذلك بأسئلة عمن سيؤلف اللائحة؟ وإذا تنبهنا إلى أن الاقتراح يقضي بانتخاب نواب زحلة السبعة بالنظام النسبي، يبقى السؤال من سيتصدر اللائحة بالأصوات التفضيلية في ظل عدم وجود نظام حزبي؟". وهذا، وفق ساروفيم، "مشروع خلاف وفتنة لأن كل طائفة حينها ستعطي صوتها لممثلها ويكون هناك لغط بالتأليف والانتخاب".

ما ناقشه زغيب، في دردشة مع صحافيي زحلة، يعكس الهواجس من العوامل التي تحكمت بالدورتين الانتخابيتين الماضيتين ومن التقسيمات المقترحة، إذ لم تعد زحلة منذ العام 2004 تشبه نفسها في إيصال ممثليها، فإقترعت طائفياً ضد التحالف الرباعي في العام 2005، ووجهت بانتخابات 2009 باصطفاف مشابه، إنما من ناخبي القضاء السنة، فخسرت زحلة صوتها المؤثر في البرلمان.

في المقابل، يرى ساروفيم أن ما يطرحه زغيب ليس نافراً بالنسبة لتقسيمات الدوائر الانتخابية، إذ إنه في مشروع القانون الأساسي الذي وضع في العام 1960 كانت حدود دائرة زحلة تصل إلى طريق الشام. وكانت زحلة تضم المنطقة الجنوبية الممتدة إلى أبلح رياق وقرى السلسلة الشرقية وصولاً إلى عنجر. أي أنها تنفصل عن برالياس وقب الياس ومجدل عنجر، حيث الصوت السني الأكثر تأثيراً في انتخابات القضاء حالياً. ووفق كلام سمعه ساروفيم من الوزير فؤاد بطرس، فإن الوزير الراحل جوزف سكاف تدخل لضم قرى طريق الشام لأنه حينها لم يكن هناك حيثية سنية ضاغطة، بل كان القضاء عاملاً مساعداً له ليربح الانتخابات.

ويشرح ساروفيم التغير الديمغرافي الذي طرأ على القضاء، والذي "فرغ القرى بنسة 75% من المسيحيين، لتقضي الاصطفافات الأخيرة على فاعلية الصوت المسيحي المهمش فيها، وعلى حماسته للمشاركة في الانتخابات"، رابطاً هذا التغير الديمغرافي بعوامل ثلاثة وهي:

أولاً: مرسوم التجنيس في العام 1994، الذي جنس آلاف الأشخاص والعائلات من الطائفة السنية.

ثانياً: حرب العام 1975 وما أدت إليه من تفريغ قضاء زحلة من 50% من سكانه. وهناك قرى وأحياء كانت مأهولة بالمسيحيين فرغت حالياً منهم، كجلالا التي كانت كلها من أبناء الطائفة الأرمنية ولم يعد فيها عائلة أرمنية واحدة، بل بيعت كنيستها وأهملت حتى مدافنها. وكذلك برالياس التي كانت نسبة المسيحيين فيها تصل إلى 25%، وبقيت فيها عائلات قليلة حالياً. بالإضافة إلى التغيير الذي طرأ على شتورا وجديتا وقب الياس وغيرها.

ثالثاً: عملية نقل النفوس التي غيرت من ديمغرافيا حتى بعض أحياء زحلة.