محارق النفايات.. تحاصص جديد ستموله رسوم إضافية

خضر حسان
السبت   2017/02/11
معامل الفرز وإعادة تدوير النفايات الحل الأفضل للأزمة (عامر عثمان)
أزمة النفايات التي أشعلت حراكاً مدنياً اعتراضياً على فساد السلطة، استعملتها السلطة سلاحاً ذا حدين، لترويض الناس وتخويفهم وتمرير حلول مشوهة تضمن الربح السريع على حساب إقتصاد البلاد وصحة المواطنين.. والبيئة. وتنوعت حلول السلطة بين المطامر والمحارق بصيغ مختلفة، فضلاً عن الترحيل الذي إنطوى على تزوير لم يُحاسَب عليه أحد، لا من المسؤولين السياسيين الذين روّجوا لهذا الحل، ولا من المزوّرين الذين أبرَزوا وثائق مزورة تؤكد موافقة دولة سيراليون على استقبال نفايات لبنان، ومن بعدها موافقة الدولة الروسية.

في كل مرة كانت تطرح فيها الحكومة مجتمعة، أو عبر بعض الوزراء بشكل متفرق، حلولاً لأزمة النفايات، لم تتخطَ تلك الحلول محاولة تحسين صورة التعاقد مع شركة سوكلين. بالتالي، الاستمرار بالمطامر مع بعض التحسينات في شروط الكنس والجمع وتخفيض الكلفة. إلا أن عرش المطامر الذي تربعت عليه سوكلين طيلة سنوات، لم يعد يصلح لإعارته لملك آخر، بصورته القديمة. فما إن رست الصفقة على جهاد العرب كلاعب أساسي في خطة استحداث مطامر جديدة فُرضت على المعترضين بقوة القمع والرصاص المطاطي والحي، حتى تداعى العرش من تلقاء نفسه تحت وطأة النوارس وأمن المطار، بشكل رئيسي.

وخلال تلك المراحل، لم تكن المحارق مستبعدة، لكنها ابعدت قليلاً عن الواجهة لأسباب عدة، أبرزها الكلفة والتأثير البيئي. على أن السبب الأساسي، هو عدم اكتمال رؤية تحاصص هذا الحل. فتقنية تحاصص المطامر أسهل من تقنية تحاصص المحارق. فالمحارق حتى الآن هي خيار غير مكتمل المعالم بالنسبة إلى الطبقة السياسية.

استنفاذ الطبقة السياسية الخيارات التي ظنت أنها يمكن أن تمر من دون عقبات كارثية ملموسة، أجبرها على العودة إلى خيار المحارق، الذي لم يشهد عراقيل داخل أروقة الحكومة. ما يرفع أسهم الشك بوجود صفقة تُحضّر تحت ستار تسيير عجلة البلاد إقتصادياً وسياسياً،على وقع ما إصطُلح على تسميته بالعهد الجديد.

ما فات أحزاب السلطة، هو أن المحارق ليست خياراً سهلاً، إن من الناحية التقنية أو المادية. فمن الناحية التقنية، على المسؤولين بحث نوعية المحارق التي ستُستقدم، ونوعية الفلاتر المستعملة فيها، بالإضافة إلى بحث طريقة التخلص من الرماد الناتج من الحرق، وفق ما يقوله المهندس البيئي زياد أبي شاكر، الذي يلفت في حديث لـ"المدن"، إلى أن الانبعاثات الناتجة من عملية الحرق ستؤدي إلى تفاقم أزمة الإصابة بالسرطان. علماً أن لبنان يعتبر البلد الثاني في منطقة الشرق الاوسط (وفقاً لعدد السكان) من حيث الإصابة بالسرطان، والبلد الأول من حيث الإصابة بسرطان الأطفال. وهذا التصنيف قبل تركيب المحارق.

أما من ناحية الكلفة، فيشير أبي شاكر إلى أن كلفة المحارق أعلى بكثير من كلفة المطامر أو أي حل آخر. فالمحارق ذات النوعية والمواصفات الجيدة، تعني أكلافاً أكثر. وهذا ما يدفع أبي شاكر إلى السؤال عن سبب عدم تطرق الحكومة إلى حل انشاء مراكز ومعامل الفرز ذات الكلفة المنخفضة والتي تدر أرباحاً للدولة جراء إعادة تدوير النفايات وتصدير بعض المنتجات المعاد تصنيعها. ناهيك بخلق فرص عمل لكثير من اليد العاملة المحلية في معامل الفرز.

الكلفة المرتفعة لمعالجة النفايات في المحارق، والتي قد تصل إلى نحو 200 دولار للطن الواحد، إذا ما استخدم لبنان محارق بمواصفات عالمية، ستحتاج بطبيعة الحال إلى مصادر للتمويل. وفي ظل ارتفاع ترتيب لبنان في مؤشرات الفساد عالمياً، ووفقاً لحالة الفساد الملموسة على أرض الواقع، لا يمكن صرف النظر عن تطلعات الحكومة لتمويل أي مشروع من جيب المواطن، من خلال رفع الضرائب وزيادة الرسوم. وإذا كان رئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر قد أكد لـ"المدن" أن مواصفات المحارق التي ستُستعمل، هي نفسها المواصفات المعتمدة في أوروبا، فإن هذا "التطمين" يعني أن الكلفة مرتفعة.

عليه، تصبح فرضية زيادة الرسوم على المواطنين أقرب إلى الواقع، خصوصاً أن هذه الفرضية طُرحت في وقت سابق من أحد الوزراء، بحسب ما تقوله مصادر مطلعة على الملف لـ"المدن". والرسوم ستطال فاتورة الكهرباء، حيث سيضاف مبلغ دولار واحد على كل أمبير. بالتالي، فإن المواطن الذي يملك عداداً كهربائياً بقدرة 10 أمبير، سيدفع 10 دولارات زيادة على فاتورة الاشتراك الشهري.

أما القرار الأكيد في هذا الشأن، بالإضافة إلى مسألة دفاتر الشروط المطلوبة لتنفيذ خطة المحارق، فستظهر بوادرها بعد 10 أيام، في جلسة اللجنة الوزارية المكلفة دراسة ملف النفايات. وفي موازاة ذلك، يشير الجسر إلى أن عقود تشغيل المحارق ستكون وفق عقود BOT (بناء- تشغيل- نقل).

جدياً، الجميع اتفق على تجربة المحارق دون تجربة انشاء معامل فرز، وإعادة تدوير النفايات. ولا يبدو التهرب من الفرز وإعادة التدوير أمراً مستغرباً، لأن هذا الخيار يعني مأسسة حل أزمة النفايات، وهو ما يقلص إمكانية التحاصص وهدر المال العام، خصوصاً أن معامل الفرز ذات كلفة منخفضة جداً، ولا تصلح لأن تكون مجالاً واسعاً للهدر، على عكس المحارق التي تنطوي على عملية استيراد وتشغيل وصيانة مكلفة.

بما أن القوى السياسية اتفقت على تمرير صفقة المحارق، يُحتّم هذا الإتفاق على المعترضين، الإنتقال من التصويب على المحارق بصورة عامة، كخيار لحل أزمة النفايات، إلى التصويب على الصيغة التحاصصية التي يُتقنها أركان النظام اللبناني. فالمحارق بوصفها عملية تقنية، يمكن استعمالها في لبنان في حال ضمنت السلطة السياسية استعمالاً آمناً ضمن الشروط الأوروبية نفسها. وبما أن التجربة لا تظهر نوايا سياسية حسنة، تُصبح مراقبة شروط التعاقد والتشغيل والصيانة هي الخطوة الأهم أمام المجتمع المدني، من دون أن تطوي هذه المراقبة عملية الضغط على الحكومة لاعتماد خيار معامل الفرز، كونها الحل الأمثل.