زاسبكين لـ"المدن": النظام في سوريا سيجري الانتخابات

منير الربيع
الأربعاء   2017/12/13
روسيا تعمل لمنع الحرب بين إسرائيل وحزب الله (ريشار سمور)
ما إن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من قاعدة حميميم العسكرية في سوريا،  انتصار روسيا، حتّى شرع كثيرون بتقييم المسار الروسي في سوريا منذ العام 2015. صحيح أن دعوة بوتين لانسحاب القوات الروسية من سوريا ليست الأولى، لكن نتائج التدخل الروسي أدت إلى تغييرات جذرية في المنطقة. من البوابة السورية، عادت روسيا بجناحين مفتوحين إلى الشرق الأوسط. وقد رغب كثيرون بالتفيء تحت ظلال هذين الجناحين. ووفق تقديراتهم، حققت موسكو انتصاراً على خصومها، فهي التي تناصر حلفائها حتّى النهاية، على عكس الأميركيين الذين يتركون حلفاءهم في منتصف الطريق. الموقف الروسي واضح، بخلاف الموقف الأميركي الذي يحمل وجوهاً متعددة، ويلعب على التناقضات، هي مقولات يرددها كثيرون بعد ترجيح روسيا كفّة الأسد في سوريا.

تكمن الترجمة السياسية للانتصار العسكري الروسي الذي أعلنه بوتين، في الانتقال من حميميم إلى مصر، ومنها إلى تركيا. وعلى يسار الجولة، اجتماعات آستانة، وعلى يمينها جنيف، وقبلهما العلاقة الجيدة مع إيران، وزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو. مروحة العلاقات هذه، تظهر للروس صوابية خيارهم، في استعادة الدور في المنطقة وعلى الساحة العالمية.

يوافق السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبكين على هذه التوصيفات، لكنه لا يتبناها، ويقول لـ"المدن": روسيا لا تسعى إلى الاحتكار، بل حريصة على الشراكة، وتريد توظيف الانتصارات العسكرية المشتركة في مصلحة التسوية السياسية.

الأوضاع في دول المنطقة، جزء من حلقات في سلسلة واحدة. الخطر الوحيد الذي يجمع بينها، هو الإرهاب، الذي انتصرت عليه سوريا وحلفاؤها كما يقول زاسبكين. ويشير إلى أنه لا بد من الاستمرار في الإجراءات الرادعة لذلك، تحسباً لحصول تهديدات. ويعتبر أن إعلان انسحاب القوات الروسية من سوريا، يأتي بعد إعلان الانتصار على داعش، ولكن هذا لا يعني أن الانسحاب سيكون كاملاً، بل هو عبارة عن تقليص عدد الضباط والجنود الروس في سوريا، مع الاحتفاظ بقاعدتي حميميم وطرطوس. ويلفت إلى أنه حين يكون هناك حاجة لعودة الجنود فإنهم سيعودون.

وهل يعني ذلك أن إيران وحلفاءها سينسحبون من سوريا؟ يجيب السفير الروسي بأن الأساس الآن لخروج الأميركيين ومسلحي المعارضة الأجانب. أما انسحاب حزب الله والإيرانيين، فسيكون بناء على إتفاق بينهما وبين الحكومة السورية. ولدى السؤال إذا ما كانت روسيا ستلعب دوراً في هذا الموضوع، ينفي زاسبكين ذلك، ويضعه في إطار الشأن السيادي الذي تقرره الحكومة السورية، ولكن القرار الروسي هو دلالة على أن الجيش السوري هو من يجب أن يتولى زمام الأمور.

المرحلة المقبلة ستكون لضرورة مغادرة كل القوى العسكرية غير الشرعية من سوريا، وخصوصاً الأميركيين الذين دخلوا إلى سوريا بذريعة محاربة الإرهاب وبدون إتفاق مع الدولة السورية. الآن، لم يعد هناك حاجة لبقائهم. وهذا الوجود يعتبر احتلالاً، ليتركز الإهتمام فيما بعد على مراقبة مناطق خفض التصعيد وفق مسار آستانة، والعمل على إعادة سيادة سوريا، للشروع في التسوية السياسية بناء على مسار جنيف، وفكرة الحوار الوطني السوري.

يشير زاسبكين إلى استمرار عمليات ترتيب الحوار، على أساس خريطة الطريق الواضحة، وهي الإصلاح الدستوري وإجراء الانتخابات، معتبراً أن الأهم هو ضمان صحة اختيار القيادة السورية للمرحلة المقبلة. ويقصد بذلك، التنازل عن الشروط المرتفعة التي تضعها المعارضة وتطالب فيها بتنازل النظام عن السلطة. ويرى أن ذلك غير منطقي لأنه من غير المعروف أي جزء من المعارضة سيخرج ليطالب بأكثر من ذلك. وإذا ما تمت الموافقة على ذلك، ستتجدد المعارك والاشتباكات بين فصائل المعارضة ليسيطر الأقوى. وقد يكون الأقوى هو الأكثر تشدداً أو تطرفاً. لذلك، فإن الطريق الوحيدة لمعرفة خيار الشعب السوري هو الانتخابات، وبدون شروط مسبقة. مع التأكيد أن النظام سيوافق على إجراء هذه الانتخابات لأنها تأتي في إطار دستوري وتحفظ الدولة السورية.

لبنانياً، يتحدث زاسبكين عن عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، وتخطّي مرحلة استقالة الرئيس سعد الحريري، وبقاء الحكومة لحين اجراء الانتخابات النيابية. ولا ينفي وجود عراقيل قد تعيق عودة الأمور إلى نصابها، وأبرزها العقوبات المالية الأميركية، فهي بالنسبة إليه، جزء من الاستراتيجية الأميركية في التعاطي مع ملفات عدة، لا سيما أن واشنطن تفرض عقوبات على موسكو وطهران وحزب الله. وهذه الإجراءات غالباً ما تكون طويلة الأمد. لذلك، لا يمكن التكهّن بنتائجها. لكنه يشير إلى أهمية التوحد لإيجاد أساليب ملائمة لمواجهتها، لأن هذه العقوبات هي خطر جدّي وملموس. ويشير إلى أن الأميركيين لا يتنازلون عن رغبتهم في الهيمنة.

ومقابل هذه العراقيل، لا يتجاهل زاسبكين الخطر الإسرائيلي المحدق، يعتبره قائماً دوماً، ولكن روسيا تعمل على تجنّب حصول ذلك. ما يتطلب العودة إلى عملية السلام، التي أصبحت بعيدة بعد قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس. وهذا يحتاج إلى التغلب على الانقسام في العالم العربي، وتنقية الأجواء مع إيران، واتخاذ نهج موحد للتعاون مع الشعب الفلسطيني. ولا يتخوف زاسبكين من تطور الضربات الإسرائيلية في سوريا إلى مرحلة مواجهة شاملة أو إندلاع حرب.