قضية بشير الجميل:ماذا جرى في القضاء خلال الفراغ الرئاسي؟

باسكال بطرس
الجمعة   2017/10/20
"صحوة قضائية لم تقمعها التركيبة السياسية هذه المرّة" (المدن)
... بعد أكثر من 35 عاماً من الانتظار، قال المجلس العدلي كلمته وأصدر حكمه النهائي: الإعدام لقاتلَي الرئيس الأسبق للجمهورية بشير الجميّل حبيب الشرتوني المنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومسؤول مكتب اﻷمن في الحزب نبيل العلم، الفارّين من العدالة، وتجريدهما من حقوقهما المدنيّة، معتبراً أنهما "ارتكبا الجريمة عمداً وعن سابق تصور وتصميم. ما شكّل اعتداءً على أمن الدولة".

هي لحظة انتظرتها عائلته ومناصروه وحزب الكتائب منذ أكثر من 35 عاماً، لم تخلُ من المماحكات والاعتبارات السياسية المتشعّبة، ومنها الوجود العسكري السوري على الأراضي اللبنانية وتحكّمه بمختلف مفاصل القرار ومنها السلطة القضائية.

إذاً، بتاريخ 20 تشرين الأول 2017، التأم المجلس العدلي في بيروت برئاسة القاضي جان فهد في تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر، لإصدار حكمه في قضية اغتيال الجميل ورفاقه، خلال اجتماع المكتب السياسي لحزب الكتائب اللبنانية في 14 أيلول 1982.

قبل نحو ساعة من موعد الجلسة، احتشد الإعلاميون أمام قصر العدل، وأقفل الطريق في المحيط، حيث انتشرت قوّة مكثفة من العناصر الأمنية، وبدأ أفراد عائلة الجميل وبعض الشخصيات والمحامين التوافد لحضور الجلسة. ما تسبّب بحركة مرور كثيفة من جسر الفيات باتجاه العدلية وصولاً إلى البربير.

ومن داخل الجلسة، نشر النائب سامي الجمّيل عبر حسابه الخاص على تويتر صورة تجمعه مع والده الرئيس السابق أمين الجميل بثوب المحاماة وعدد من المحامين وأرفقها بتعليق: "بانتظار الحكم التاريخي".

بالتزامن، وعلى بعد أمتار قليلة من قصر العدل، نفّذ أصدقاء حبيب الشرتوني ومناصرو الحزب السوري القومي الاجتماعي اعتصاماً، مطالبين بتكريم الشرتوني البطل لأنه قتل من يعتبرونه عميلاً. واعتبروا في كلمة أن "لكل فريق بطله ولكل فريق عقيدته، لكن الثابتة الوحيدة هي أن التاريخ سيسجّل للمجلس العدلي إعادة إحياء ملف سياسي ظنّ اللبنانيون أنه سيموت مع مرور الزمن". ووقع إشكال خلال الاعتصام بين كلّ من مناصري أسعد حردان وحركة الثامن من تموز المنبثقة من الحزب السوري.

وعند الساعة الرابعة والنصف، صدر حكم الاعدام. وطغَت الحماسة على ملامح النائب نديم الجميّل، فيما بدت والدته صولانج متأثّرة، وقالت للاعلاميين: "نشعر اليوم أن القضاء أعاد الهيبة للدولة والمؤسسات، وأعطى الأمل بإنصاف باقي شهداء القضية، وصولاً إلى شهداء ثورة الأرز. اليوم بشير وغداً باقي الشهداء"، مؤكدة "متابعة المسيرة لتحقيق حلم البشير بلبنان سيد حر ومستقل".

وفي حديث إلى "المدن"، أعاد وكيل عائلة الجميل المحامي والوزير السابق أدمون رزق هذا الانجاز القضائي إلى ما سمّاه "صحوة قضائية لم تقمعها التركيبة السياسية هذه المرّة"، مشيراً إلى أنّ "هذه الصحوة حصلت خلال مرحلة الفراغ الرئاسي قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، الأمر الذي لا يترك مجالاً للمساومة". وجدد رزق تأكيد "ثقته بالقضاء اللبناني وشجاعته ونزاهته، التي أثبتها اليوم بجدارة".

وشدّد رزق على أنّ "الهدف من إصدار الحكم في هذه القضية التاريخية ليس الثأر من أحد أو التعويض على أحد، لأنّ ما فَقده لبنان وذوو الشهداء سواء أكان في هذه القضية أم في سائر القضايا المطويّة والمغيَّبة، هو أكبر من أيّ تعويض. لكنّ، إحياء الدعوى وإصدار الحكم العادل إشارة إلى أنّ لبنان يُحاول الخروجَ من دوّامة التخلّي والتسيّب والاستسلام لواقع مناقض لرسالته ومحِط لقيمِه الحضارية. بالتالي، إحياء مؤسسة العدالة التي تشكل معيار نجاح أي عهد ومقياس قوة أي رئيس"، معتبراً أن سبب عدم متابعة هذه القضية منذ لحظة الاغتيال، يعود إلى "فشل العهود المتعاقبة على مستوى إحياء قيم الجمهورية، خصوصاً مؤسسة العدالة".

ودعا المحامي نعوم فرح، وهو أحد وكلاء ورثة الرئيس الجميل، إلى "تنفيذ الحكم الذي أصدره المجلس العدلي بكل أخلاقية ومهنية"، مشيراً إلى أن "المحكمة لم تأخذ الكلام عن وفاة نبيل العلم على محمل الجد، لأنها لا تملك أي دليل حسي يؤكد وفاته، لا من الأمن العام ولا من سجلات النفوس".

وفي ما يتعلق بالاحتمالات الفعلية لتنفيد حكم الاعدام في حق الشرتوني، لاسيما في ظل الحسابات السياسية والطائفية التي تحكم هذا الحكم وآليات تنفيذه في لبنان، فيكتفي فرح بالاشارة إلى أن "الحزب القومي يدّعي أنه ليس طائفياً وينادي بالعلمانية. ما يعني أنّ الشرتوني المنتسب إليه، لا ينتمي إلى أي طائفة. ونحن لا نتحدث عن جريمة عادية، بل عن اعتداء على الأمن القومي، وإلا لما أحيل الملف إلى المجلس العدلي، خصوصاً أنّ الجريمة الارهابية لم تستهدف شخصاً عادياً، بل رئيس جمهورية حمل حلماً للبنان".