الحريري وترشيح عون: النتائج غير مضمونة

منير الربيع
الثلاثاء   2016/09/27
اتفق الحريري وفرنجية على الانفتاح على ترشيح عون وانتظار موقفي بري وجنبلاط
لا يريد الرئيس سعد الحريري أن يلدغ من جحر قوى 8 آذار مرتين. يقيس خطواته بميزان الجوهرجي. لا كلام الآن. ترقّب. استشراف ومحاولات جس نبض الجميع. يؤمن الحريري بأنه لم يعد يقوى على الفراغ، ولا على تحمّل أعبائه ومسؤوليته، لذلك لا يتردد عن المبادرة تجاه أمر الخيارات، لكنه يخشاها. يخاف من أن يتكرّر سيناريو ترشيح النائب سليمان فرنجية مع النائب ميشال عون. يريد ترشيح "الجنرال"، لكن النجاح غير مضمون. لذلك، يصرّ على إنطلاقه في جولة المشاورات التي بدأها مع فرنجية في بنشعي، وستشمل الجميع من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط إلى الدكتور سمير جعجع. فهو لا يريد إعلان موقف إيجابي من ترشيح عون، ما لم تكن النتيجة مضمونة. يتحسس وضع العراقيل من بعض من يريدون إحراقه أكثر. وبالتالي، يخسر ترئيس عون، ويخسر السرايا الحكومية، بالإضافة إلى تكبدّه مزيداً من الخسائر الشعبية التي ستصل إلى كتلته النيابية.


الجميع على يقين أن الحريري مستعدّ للسير بعون، لكن هذه التسوية بحاجة إلى إنضاج، خصوصاً في ضوء تصعيد الرئيس نبيه بري. ما يخشاه الحريري أن يعرقل برّي وجنبلاط التسوية. لذلك، يريد الاطمئنان إلى النتيجة سلفاً. الروايات متعددة عن آلية تبليغ عون بالموافقة على انتخابه. منها ما يبدأ من اللقاء الذي عقد بين نادر الحريري والوزير جبران باسيل. ومنها ما يقول إن الحريري أبلغ حزب الله موافقته على عون عبر العميد عماد عثمان والعميد حسام التنوخي. فيما تنفي مصادر أخرى هذا الأمر.

عصر الإثنين، عمّت التبريكات الرابية، جملة وحيدة خلاصتها "الحريري أبلغ الجنرال موافقته الرسمية على انتخابه رئيساً للجمهورية". سارع عون إلى إبلاغ حزب الله بالأمر، وفق مصادر متابعة. ويضيف المصادر أن عون ذكّر الحزب بأنه تعهّد له بالعمل لإقناع بري في حال حصل على موافقة الحريري. وتعتبر المصادر أن المسألة تحتاج إلى أيام لتهيئة الحريري الرأي العام المؤيد له، وإقناع نوابه وكوادر تيار المستقبل، والتفاهم مع برّي على "السلّة". ما يعنيي أن الرئيس لن يُنتخب في جلسة الأربعاء 28 أيلول، بل الأمر يحتاج إلى أسبوعين ربما.

بعض المتفائلين يتحدثون عن صيغة الترشيح وبنود التسوية. يرسمون سيناريو مكرراً لإعلان جعجع ترشيح عون في 18 كانون الأول 2015. ويلفتون إلى أنه بعد إنجاز الإتفاق، سيتوجه عون إلى بيت الوسط، حيث يستقبله الحريري، ويتم إعلان الإتفاق، مع إعلان عون بيانه الرئاسي الذي يتضمن الإلتزام بالتحالف مع الحريري الذي سيتولى رئاسة الحكومة طوال سنوات العهد، والحفاظ على الطائف. وتلفت المصادر إلى أن من بين البنود التي سيلحظها الإتفاق، كيفية توزيع الوزارات والإتفاق في شأن ملفات النفط والكهرباء وملفات حيوية أخرى.

مقابل هذا التفاؤل، ثمة من يقول إن الدبكة في الرابية والعرس في مكان آخر، معتبرين أن ما يجري يشبه ما جرى بعيد ترشيح الحريري فرنجية. فآنذاك، تم تحديد جلسة 16 كانون الثاني لانتخابه. وهذا لم يحصل. ويرى هؤلاء أن ما يجري اليوم يشبه ما جرى في السابق، لافتين إلى أن الأمر لن يحسم لا في الأيام ولا في الأسابيع، "فلا شيء ناضجاً بعد، لا محلياً ولا إقليمياً. وسوريا تذهب إلى تصعيد أكبر. وبالتالي، لا يمكن إنجاز الحلّ في لبنان فيما المنطقة مشتعلة".

لهذا الكلام تفسيرات عديدة، آخرها أن الحريري قد يوافق على ترشيح عون، لكنه لن ينجح بإيصاله إلى بعبدا، لأن هناك ظروفاً لن تكون ملائمة، ولأن هناك أطرافاً ستعترض. لذلك، تتوجه الأنظار إلى عين التينة، وموقف برّي الذي يصرّ على السلّة، ولا يزال يؤيد ترشيح فرنجية. في عين التينة، يُقال إن ما يجري جعجعة بلا طحين، ومن الآن حتى أسبوعين "يخلق الله ما لا تعلمون"، في إشارة إلى تعطيل التسوية، أو بالأحرى، ثمّة رفض لاعتبارها "ماشية". جميع المعترضين يراهنون على بري، حتى خلال اللقاء بين الحريري وفرنجية، جرى التوافق على توسيع مروحة المشاورات. وتشير مصادر متابعة إلى أن الحريري لم يعلن تخليه عن ترشيح زعيم المردة، لكنه اعتبر أن من بين خياراته المطروحة ترشيح عون. وقد اتفق الطرفان على انتظار موقف برّي.

في المقابل، ترى مصادر متابعة لمواقف حزب الله، أن الحريري ليس جاهزاً بعد، ولم يصدر أي موقف علني، بل مازال على موقفه، وهو لا يستطيع السير بعون بلا موافقة السعودية، التي تربط بين كل ملفات المنطقة، من اليمن إلى سوريا، فيما لبنان يبقى تفصيلاً بين هذه الملفات. وبالتالي، لا يمكن أن يتم حلّ الأزمة فيه فيما تبقى الأمور متجهة نحو التصعيد في ساحات أخرى. وهي لن تتخلى عن هذه الورقة في هذه المرحلة. فيما تعتبر مصادر مستقبلية أن الحزب غير جاهز لانتخاب الرئيس. وهو سيضع العديد من العراقيل أمام التسوية، وإن لم يكن هو من يتولى ذلك، فإن بري من سيتكفل به.

وبالنسبة إلى من يضع سيناريو إمكانية موافقة برّي على السير بعون، فإن العبرة ستكون في التنفيذ ما بعد الإتفاق على السلّة ككل، من قانون الانتخاب إلى توزيع الحقائب. ففيما تتردد معلومات مفادها أن الحريري يطالب بوزارة الخارجية، يتم تناقل معلومات تفيد بأن برّي متمسك بالمال وباستعادة الطاقة، أو استحداث وزارة للنفط، إلى جانب مطالب أخرى ستعتبر أفخاخاً أو ألغاماً في طريق التسوية.

الأنظار تتجه إلى عين التينة، والحريري سيتوجه إلى هناك أيضاً قريباً، على أن يحدد وجهته فيما بعد، والتي بدورها ستحدد توجه عون، إن كان إلى الشارع أم إلى بعبدا.