السفير التركي لـ"المدن": سياستنا الخارجية لن تتغير

منير الربيع
الإثنين   2016/07/25
أرجييس: بدأت الخارجية التركية هجمة ديبلوماسية عالمية (أ ف ب)
في موازاة إجراءات الحكومة التركية للملمة ذيول محاولة الإنقلاب، بدأت الخارجية التركية هجمة ديبلوماسية عالمية، لشرح ملابسات ما جرى، وتوضيح تقديرات الحكومة الموقف الذي مرّت به. يتحرّك سفراء إسطنبول في العواصم، عبر لقاءات متعددة مع سياسيين وصحافيين، بغية توضيح بعض الملابسات التي اختلطت بفعل ما جرى ليل الخامس عشر من تموز. هو أشبه بالسير بين النقاط. من الحفاظ على حقوق الإنسان، واتخاذ التدابير التي تحمي الأمن القومي كإعلان حال الطوارئ. ومن الحفاظ على الديمقراطية والتمسك بها، إلى حملة اعتقالات في صفوف المتهمين بالمحاولة، وإقفال عدد من الؤسسات الاجتماعية والتربوية.

كلّ شيء واضح بالنسبة إلى القيادة التركية. ما هو غير مفهوم كيفية التعاطي الدولي أو من قبل بعض المنظمات التي تنتقد موقف الحكومة، ولذلك يجهد الديبلوماسيون الأتراك لشرح ماهية ما يحصل. وهذا ما يقوم به السفير التركي في لبنان شغطاي أرجييس، الذي يؤكد أن تركيا ستخرج أقوى مما كانت عليه ي السابق، معلناً إلتزام بلاده بالديمقراطية.

يعتبر السفير التركي أن ما كان ليلاً حالكاً تحوّل يوماً مشرقاً بفعل القيادة والشعب. ويلفت إلى أن "من تورطوا بمحاولة الإنقلاب الفاشل هم فصيل صغير من القوات المسلّحة، من جماعة فتح الله غولن. لكن الشعب التركي أظهر شجاعة في حماية حريته".

وسط تساؤلات دولية عديدة حول كيفية التأكد من الإتهام الموجّه إلى غولن، يجيب السفير ببديهية أن هذه الشبكة مدعومة من أشخاص غير عسكريين، وجماعات معروفة بصلاتها الوثيقة بغولن. ويؤكد أن تركيا بصدد تقديم الأدلة على تورّط هذه الجماعة بالانقلاب، إستناداً إلى تحقيقات واعترافات أدلى بها الموقوفون.

لا جواب واضحاً بعد في شأن أهداف غولن من الإنقلاب. البعض يرى أنه عملية إستباقية لعملية طرد كانت قد تطال مؤيديه من الجيش والمؤسسات الأخرى، فيما البعض الآخر يعتبر أن الهدف أبعد من ذلك، يسهب أرجييس بالحديث عن الداعية المنفي، قائلاً: "هو داعية تركي يعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة ويدير شبكة سرية جداً وخطيرة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تركيا".

ظهرت جماعته سنة 1970 كحركة تؤمن خدمات تربوية. وقد كشفت التحقيقات قبل المحاولة الانقلابية أن أتباعه قاموا بالتسلل إلى مختلف مؤسسات الدولة وخصوصاً الجيش والشرطة والقضاء. ويعتبر الديبلوماسي التركي أن هذه الجماعة "تحاول خداع الرأي العام من خلال إظهار نفسها على أنها من دعاة الحوار بين الأديان والتعايش السلمي بين الثقافات. لكنها في الواقع، مجموعة ذات خطاب تحريضي متطرف دينياً. في الوقت الحاضر، تواصل هذه المجموعة استخدام نفوذها على بعض وسائل الإعلام للقيام بحملة تشهير من أجل تشويه جهود تركيا لتحقيق العدالة لضحايا الانقلاب الفاشل".

ولكن ماذا عن سياسة تركيا الخارجية؟ وهل في الإمكان أن تتغير؟ ماذا عن العلاقة مع الأميركيين في ضوء المطالبة التركية بتسليم غولن؟ يجيب السفير التركي أن أنقرة قدمت كل المستندات الرسمية التي تثبت تورّط غولن، وستواصل جهودها في سبيل تسلّمه، كاشفاً أن وزيري الخارجية والعدل سيزوران الولايات المتحدة في الايام المقبلة لبحث هذه المسألة. ولكن هل ستتغير العلاقة مع واشنطن بحال عدم تسليمه؟ يجيب: "العلاقة مع الولايات المتحدة إستراتيجية، وهي حليف استراتيجي، ولا نعتقد أنها ستفرّط في العلاقة لأجل هذا الشخص".

إنتقادات كثيرة تعرّضت لها تركيا بفعل إجراءاتها، علماً أن حملة الإعتقالات الحالية، ليست استثنائية في حل كهذا، ففي العام 1980 وفي أعقاب إنقلاب الجيش على حكومة نجم الدين أربكان، اعتقل الإنقلابيون 650 ألف مواطن، وإدراج أكثر من مليون ونصف على القائمة السوداء، ومحاكمة نحو 230 ألفاً آخرين بقضايا سياسية، ولكن بتهم جنائية، تجريد 14 ألف مواطن من الجنسية التركية، بالإضافة إلى إغلاق عشرات آلاف المؤسسات التربوية الاجتماعية والخيرية، واتخاذ إجراءات تعسفية بحق عشرات الآلاف من الموظفين. هذه الإجراءات كلها لم تحصل اليوم. بل إن الإجراءات لم تتخط 10 آلاف. أما في شأن إعلان حال الطوارئ، فيعتبر السفير التركي أنه تدبير معتمد بموجب القانون الدولي تلجأ إليه العديد من الدول عندما يتعرض الأمن والنظام فيها لخطر وشيك. ويلفت إلى أن تركيا تعتبر هذا الإجراء ضرورياً في مواجهة الهجمات العنيفة والخطيرة ضد أمنها القومي وتسلل المنظمة الإرهابية "فيتو" في أجهزة الدولة. ويقول: "لن يكون لحالة الطواريء أي تأثير على حقوق مواطنينا الأساسية وحريّاتهم ولن يكون لها أي تأثيرعلى حياة الناس اليومية وأنشطتهم الإقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية.

ولكن، ماذا عن سوريا، هل سيتغيّر الموقف التركي بعدما جرى، وفي ظل التقارب التركي الإيراني والتركي الروسي؟ ينفي أرجييس ذلك، قائلاً: "الموقف من سوريا لن يتغير، سيبقى على ما هو عليه، وتركيا قدّمت وتقدّم كثيراً إلى الشعب السوري واللاجئين السوريين الذين سيبقون على حالهم في تركيا إلى حين العودة إلى بلادهم.

يكرر أرجييس التأكيد على ضرورة الحلّ السياسي في سوريا، مؤلف من ثلاث مراحل، الأولى هي وقف إطلاق النار والتسوية السياسية، والثانية توفير الدعم للشعب السوري والمعارضة السورية وتوفير عودة آمنة للاجئين، والثالثة هي محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيمي "داعش" و"النصرة". ولكن هناك كلاماً عن استعداد "النصرة" للإنفصال عن "تنظيم القاعدة". يجيب: "مجلس الأمن يصنّف النصرة منظمة إرهابية، ونحن نلتزم ذلك، وبالتالي تجب محاربة هذا التنظيم". كيف؟ هذا ما يحصل من خلال الإئتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب، والذي يجب أن يجهد إلى إنجاز الحلّ السياسي للأزمة السورية.

أخيراً، ينفي أرجييس إحتمال وجود مؤسسات لمنظمة غولن في لبنان، ويقول: "حاول غولن في السابق ذلك، لكن الحكومة اللبنانية منعته واتخذت إجراءات تحول دون ذلك".