الراعي يتابع "مصالحة الجبل".. اجتماعياً

المدن - سياسة
الأحد   2016/07/24
الراعي: على المجتمع السياسي أن يجد التسوية اللازمة لإيجاد مدخل لانتخاب الرئيس (علي علوش)
وضع البطريرك الماروني بشارة الراعي زيارته إلى عدد من قرى قضاء بعبدا، الأحد، في إطار "الإحتفال بمرور 15 عاماً على مصالحة الجبل"، والتي عقدت في دارة آل جنبلاط بين النائب وليد جنبلاط والبطريرك الماروني نصرالله صفير في 3 آب 2001. كما تأتي جولة الراعي هذه بعد زيارة جنبلاط بكركي الإثنين الماضي لدعوة بطريرك الموارنة لترؤس الذبيحة الإلهية في كنيسة السيدة في المختارة نهار السبت 6 آب المقبل لمناسبة ترميمها. ويتوقّع أن تكون المناسبة فرصة لتأكيد المصالحة التاريخية بين الموارنة والدروز بعد المآسي التي شهدتها حرب الجبل مطلع ثمانينات القرن الماضي، والتي هجّر المسيحيون بنتيجتها من قراهم في الجبل، قبل أن يعودوا إليها تدريجاً بعد مصالحة آب 2001، وإن لم تكتمل هذه العودة "بوجود الصعوبات الإقتصادية والإنمائية"، كما قال الراعي الأحد، مضيفاً: "لذلك يجب أن نعمل معا لإكمال هذه العودة".

إذاً، الراعي في جولته الأحد يمهّد لزيارته المختارة في 6 آب المقبل احتفاءً بالذكرى الخامسة عشرة لما بات يعرف بـ"مصالحة الجبل". لكن وإن كانت هذه المصالحة ذات أهمية تاريخية إستثائية في تاريخ العلاقات الدرزية- المارونية في جبل لبنان، إلّا أنّ استعادتها اليوم لا تحمل المدلولات السياسية التي حملها إبرامها العام 2001. إذ يأخذ الاحتفال بذكرى هذه المصالحة اليوم بعداً أهلياً واجتماعياً بالدرجة الأولى يتصل بتوفير إمكانات أكبر لعودة المسيحيين إلى قراهم وتأكيد العيش المشترك بين أبناء القرى المختلطة طائفياً. بينما كانت المصالحة في آب 2001 حدثاً سياسياً بامتياز، بعد نحو السنة على بيان المطارنة الموارنة الشهير في أيلول من العام 2000 والذي افتتح مسيرة المطالبة اللبنانية بخروج الجيش السوري من لبنان. أي عملياً عنت "مصالحة الجبل" انضمام جنبلاط ومعه الدروز إلى المطالبة المارونية بخروج القوات السورية من لبنان، والذي تم في النهاية في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقيام انتفاضة 14 آذار 2005 إثر هذا الإغتيال.

النقطة السياسية الأبرز التي أثارها الراعي في جولته الأحد هي نفسها التي تشغله منذ سنتين وثلاثة أشهر، أي الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية وسبل وضع حد له. واضح أنّ لا أولوية تتقدّم على انتخاب رئيس للجمهورية في أجندة الراعي وحركته ومواقفه. وهو أكدّ من عاريا، المحطة الأولى في جولته الأحد أنّه على "المجتمع السياسي أن يجد التسوية اللازمة لإيجاد مدخل لانتخاب الرئيس"، كما طالب المجتمع الدولي بـ"أن يفصل مشكلة الرئاسة عما يدور في المنطقة".

وأعطى الراعي زيارته بعداً كيانياً ملمحاً في أكثر من محطة إلى دور الثنائية الدرزية المارونية في تاريخ لبنان الحديث، إذ قال في شويت المحطة الثانية في جولته: "من الجميل أننا أتينا من الكنيسة إلى دار الأخوة (الدروز) لنقول إننا أخوة منذ زمن بعيد"، كما تحدثّ عن "اليدين الدرزية والمسيحية المرفوعتين فوق الأرزة". مجدداً دعوته إلى "تكاتف اللبنانيين بمختلف مكوناتهم، والتمسك بكيان لبنان"، داعياً إلى الجهوزية التامة للقوى السياسية "لاتخاذ مبادرات وقرارات جديدة تكون لخير الوطن والأمة".

وكان الراعي استهل جولته الراعوية الأحد على عدد من قرى قضاء بعبدا بزيارة بلدة عاريا. وخاطب مستقبليه من الأهالي وفعاليات المنطقة من كنيسة سيدة النجاة بالقول: "إبقوا باب الصمود والتضحية للحفاظ على وطننا، كما نحيي أرواح الشهداء الذين سقطوا، وكلنا نعلم أن دماءهم أعطت حياة جديدة للبلدة". أضاف: "لنتكاتف اليوم من مجتمع سياسي وجماعة أهلية واجتماعية وكنسية للحفاظ على هذا البلد. هذا هو التحدي. ومن جديد نطالب الجماعة السياسية بأن يكون للدولة رئيس للجمهورية".

ومن عاريا انتقل الراعي إلى بلدة شويت، حيث زار كنيسة الأم الحزينة في البلدة بحضور الأهالي وفعاليات البلدة. وقد ألقى كاهن الرعية موريس شمعون كلمة أكدّ فيها أنّ "شويت تعيش الشركة مع الأخوة الدروز، وهذه الزيارة جاءت لتعزز اللحمة بين المسيحيين والدروز في البلدة".

بعدها، توجه الراعي إلى قاعة "آل أبو سعيد الخيرية" في شويت، حيث كان في استقباله مشايخ البلدة والمنطقة. وتمنى المتحدثون أن تشكّل زيارة الراعي "حافزاً لعودة أهل البلدة إلى أرضهم"، وطالبوا بتعزيز كل المشاريع التنموية في المنطقة، لأنّها ضرورة للمسيحيين والدروز لترسيخ العيش المشترك". وردّ البطريرك بالقول: "علينا أن نتابع مصالحة الجبل على كل المستويات الروحي، العائلي، السياسي، الاجتماعي والوطني، التجارب والصعوبات تصدمنا لننضج ونتابع الى الأمام، لا تخافوا من هذه الصعوبات، بل بإحترام بعضنا البعض نتخطاها ونحافظ على بعضنا وعلى وطننا".

وفي طريقه إلى بلدة عين موفق، كانت محطة من خارج برنامج الزيارة نظمها فرع "الحزب التقدمي الاشتراكي" عند مداخل رويسات- البلوط، حيث توقف موكب الراعي، وكانت وقفة له مع أهالي البلدة.

وفي بلدة عين موفق رأس الراعي الذبيحة الإلهية في كنيسة مار شربل الجديدة، في حضور وزراء ونواب حاليين وسابقين وفعاليات سياسية وديبلوماسية وعسكرية وقضائية. وألقى الراعي عظة قال فيها: "نصلي لكي نلتقي جميعنا بالرب، لنجد ذاتنا الحقيقية. وهذا هو المفتاح للخروج من أزمتنا لانتخاب رئيس للجمهورية وعودة الحياة للمؤسسات الدستورية. لا يمكنني بناء حياة وطنية وأنا متمسك بموقفي، فالحقيقة العظمى هي عند الله وحده، وليست عند أي واحد منا".

بعدها كانت كلمة لمختار البلدة بطرس أبي جرجس أشار فيها إلى أن "معاناة سكان هذه المناطق كبيرة، لأن القرى لا تزال خالية ومحرومة من أدنى موجبات الحياة". ودعا إلى "العودة وإعمار ما بقي مهدما في نفوس البشر قبل الحجر. زيارتكم اليوم تضيء فينا شعلة الأمل وتذكر بمسيحيتنا، بعمق رسالتنا، رسالة الشركة والمحبة".