هل يتطرّف "التيار الوطني الحر" و"المستقبل"؟

إيلي القصيفي
الأحد   2016/07/24
كيف سيدير جبران باسيل وسعد الحريري أزمتيهما؟
يعاني كل من "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" أزمة "داخلية" تختلفت طبيعتها بين كليهما. فـ"المستقبل" يواجه تحديات حزبية تتشابك وتتداخل مع تلك التي تجابه بيئته الطائفية في لبنان والمنطقة. بينما أزمة "التيار الوطني الحر" هي، بالدرجة الأولى، أزمة حزبية ولا تتجاوز "البيئة العونية" ككل.

صحيح أنّ الأحزاب اللبنانية جميعاً ليست في وضع سليم وصحي، وأي منها لا يمكنه الحديث براحة تامة عن إنجازات حققها على مستوى تطوير بناه، ولا على مستوى قدرته الإستقطابية، ولا على صعيد تعزيز الآليات الديموقراطية لإنتاج قراره وكوادره، مع الأخذ في الاعتبار، التفاوت بين هذه الأحزاب لجهة المسائل الحزبية المذكورة. كما يجب التمييز بين "حزب الله" كحزب عقائدي وتعبوي، وبين سائر الأحزاب الأساسية المختلفة عنه في "طبيعتها" وديناميتها. لكن مع ذلك تبدو أزمة كل من "التيار الوطني الحر" و"المستقبل" الأكثر وضوحاً بين أزمات سائر الأحزاب الفاعلة، ولاسيما أنّهما الحزبان الأكبر ضمن بيئتيهما، ولكلاهما دور مؤثر في السياسة اللبنانية، فضلاً عن أنهما حزبان خصمان، لا يتقاطعان على أمر إلّا نادراً.

والواقع أنّ كلا الحزبين المذكورين يعيشان أزمة متصلة بزعامتيهما، كلٌ بطريقة مختلفة.

فالتحدي الأساسي الذي يواجهه "التيار الوطني الحر" لا يتأتى في المرحلة الراهنة من المنافسة بين الأحزاب "المسيحية" على زعامة الطائفة المارونية، بل من المنافسة ضمن "البيت الواحد"، أي بين الوزير جبران باسيل والعميد شامل روكز، على وراثة "حالة" العماد عون الذي تخلى عن المسؤولية الحزبية المباشرة.

أمّا "المستقبل" فيواجه تحدياً من نوع آخر يتمثل في قدرته على المحافظة على زعامة الطائفة السنية، في وقت يعاني هذا التيار أزمة تنظيمية ومالية، وفي حين تبرز زعامات ضمن الطائفة المذكورة تنمو على ضفاف "المستقبل" كحالة الوزير أشرف ريفي، أو تنمو في مقابله كحالة الرئيس نجيب ميقاتي.

ومن نافل القول إنّ مسألة الزعامة ليست مطروحة في الطوائف السياسية الأساسية مثلما هي الحال في الطائفتين السنية والمارونية، علماً بأنّ هامش "المناورة" في وجه الزعامة الدرزية يتوسّع أكثر، كما أن البعض بدأ يطرح أسئلة عن مستقبل الزعامة في "حركة أمل" "الشيعية". لكن يبقى أن المنافسة على الزعامة في الطائفتين السنية والمارونية مفتوحة أكثر مما هي عليه المنافسة على الزعامة في الطوائف الأساسية الأخرى. وهذا ما يزيد من التحديات الزعامتية التي يواجهها "المستقبل" في الطائفة السنية، و"التيار الوطني الحر" لدى الموارنة.

والسؤال المطروح اليوم، هو كيف ستدير قيادتا هذين الحزبين أزمتيها؟ وكيف ستؤثر خصومتهما على خطابيهما؟

هناك رأي يخشى أن تنحو قيادة كلٍّ من التيارين نحو التطرف أكثر في موافقها.

فـ"المستقبل" يجابه تحدياً "سنياً" لم يكن مطروحاً عليه بالقوة نفسها قبلاً، في ظلّ شعور "السنة" اللبنانيين بتراجع دورهم وموقعهم في لبنان أمام دور وموقع "حزب الله" فيه، وهو شعور يفاقمه الإشتباك الإقليمي الذي يأخذ أبعاداً مذهبية. وهذا الشعور عبّرت عنه، بشكل أساسي، الانتخابات البلدية في طرابلس، والتي أشعرت "المستقبل" بخطر حقيقي على وضعيته الشعبية والسياسية في الطائفة السنية. بمعنى آخر أنّ هذا التيار سيضطر أكثر إلى أخذ تطلعات بيئته في الحسبان، وهي تطلعات يبدو جلياً، خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، أنّها أكثر تشدداً في مقاربة المسائل السياسية في البلد والإقليم من "المستقبل" نفسه. ناهيك بأنّ ظهور الطوائف السياسية الأخرى أكثر اتحاداً في المطالبة بـ"حقوقها"، يجعل "السنة" أكثر رغبة في زعامة تمثلّ "سنيّتهم". وثمة رواية في بيروت تقول إنّ التحضيرات للمؤتمر العام لـ"المستقبل" في تشرين المقبل، يتنازعها رأيان: واحد يقول بوجوب أن يكون التيار تياراً للسنة في لبنان وآخر متمسك بطبيعة التيار "العابرة للطوائف"، علماً بأن أوساط "المستقبل" تجزم بـ"أنه كان وسيبقى عابراً للطوائف، كما يكرر الرئيس الحريري في خطاباته".

من جهته، يواجه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل تحدي تثبيت زعامته الحزبية، مدعوماً من العماد عون. وهذا تحدٍ يفرض على باسيل أن يوسّع قاعدته الحزبية كما الشعبية ضمن "الحالة العونية" ككل، لا سيّما أن المنافسة الحقيقة التي تجابهه ليست في الحزب بقدر ما هي على ضفافه، أي في "الحالة العونية" التي لا يلتزم جمهورها بالبنية الحزبية ولكنّه يتأثر بخطابها. هذا الأمر يمكن أن يدفع باسيل إلى تجذير خطابه أكثر فأكثر، سواء في ما يتصّل بأزمة النزوح السوري، أو سائر الملفات السياسية المطروحة، ومنها في ما يخص المسيحيين، مسألة "الشراكة" في الحكم، ومتفرعاتها الرئاسية والنيابية.

في الحالين سيكون جمهور كلا الحزبين هو من يحدد خطابهما وليس العكس. وهذا ما يمكن أن يدفع بالتيارين نحو التشدد أكثر في سياستيهما. علماً بأنّ الخصومة القائمة بينهما تجعل من واحدهما بمثابة "الآخر" للثاني. وبالتالي أي تشدد من جانب أحدهما سيكون، حكماً، بوجه الطرف الثاني، خصوصاً في ظلّ امتناع الحريري عن تأييد عون لرئاسة الجمهورية. وهذا ما سيرتّب احتقاناً سياسياً-طائفياً إضافياً في البلد المختنق أساساً بشتى أنواع الإحتقانات السياسية والاجتماعية.