في القاع.. الحرب على الأبواب

منير الربيع
الثلاثاء   2016/06/28
أمر ما يشبه نيسان 1975
لا الديموقراطية، ولا الثورة ولا الأرزة.. حان وقتها بعد.. لا الياسمين زهّر، ولا الربيع آن. وما كان حلماً في العام 2005 بالنسبة إلى كثيرين من اللبنانيين، والذين لاقاهم إليه السوريون في 2011، يتداعى. وهناك من الحالمين من ينظر إليه ككابوس. الزهرة نبت في غير أوانها، مثلما ظهر أنطوان زهرا في غير مكانه. الزمن الآن لربيع العام 1975، وليس لأي ربيع أو صيف آخر.

للظهور دلالات التداعي، دلالات السقوط في القاع، هناك حيث قطع الحبل في وسطه. فلا الإنقاذ ممكناً، ولا التحصيل ممكناً. مشهد السلاح في القاع بعيد سلسلة التفجيرات، صورة النائب أنطوان زهرا بالسلاح ووسط المسلحين، تعني السقوط المدوي، لا السقطة عادية، بل إستراتيجية بالمعنيين القيمي والسياسي. هي منظومة "فكرية" تنهار، بغض النظر عن الأسباب والخلفيات، وبمعزل عن مبدئيات الغاية تبرر الوسيلة، والدفاع عن النفس يبيح المحظور.

رغم تمني رئيس القوات الدكتور سمير جعجع على الأهالي الالتزام بتعليمات الجيش، إلا أن الظهور العسكري المسلّح، أوحى بما هو أخطر مما شوهد. الحرب لا تزال في النفوس، ذاكرة الحرب حاضرة، الحصار، المحيط، البيئة، المخيمات، الدفاع عن النفس، والمعركة الوجودية.

كل المصطلحات قديمة جديدة. لكنها، عن دراية أو عدمها، ثمة ما يوحي بواقعية موجودة لدى البعض، والذي هو في مقام الخصم، لكنها عن خطأ، تخدم وجهة نظره. مبدئية التهجير "المذهبي" والتغيير الديموغرافي، وهو الهدف الذي يريده إعلام حلف الأقليات. تهجير القاع، مقابل تهجير عرسال، هي معادلات ما بعد 75، وعليه، تصبح منطقة السلسلة الشرقية، ذات انتماء مذهبي وديموغرافي صرف، لها عمقها الاستراتيجي في سوريا، التي جهد النظام وحلفاؤه لتطهيرها من "الدخلاء" بالمفهوم المذهبي والممانعتي.

هي صورة على نسق تهجير حمص، القصير البلدة المقابلة للقاع، القلمون وجرودها المواجهة لعرسال وجرودها، وصولاً إلى محيط دمشق، وريفها، ومفاوضات الزبداني، خير ماثلة في الأذهان، كعنوان فاضح لأصحاب مذهب الترنسفير.

الاستعراض العسكري للقوات، يُفرح "حزب الله"، يُضحك مسؤوليه سراً وعلانية. من كان يريد حصر السلاح بيد الدولة، عاد إلى ما قبل ذلك، انتفض فيه شعور العرين، وأعاده الحنين إلى مجد ماض، باطل ربما. عاد إلى منطق السلاح المحلي والأمن الذاتي. شابه القواتيون، حركة نوح زعتير قبل أكثر من سنة، أسس زعيتر آنذاك "لواء القلعة"، والقتال تحت ستار العشائر للدفاع عن البقاع. هي نماذج تشبه تشكيل الحشد الشعبي، وقوات الدفاع الشعبي أو الوطني.

هي إحدى تداعيات المزايدة المسيحية، وإضطرار "القوات" إلى السير مع ريح "التيار الوطني الحر"، ما قبل إعلان النوايا ليس كما بعده. قبله وفي المنطقة نفسها، رفضت القوات أي شكل من أشكال الأمن الذاتي، دعت في حينها الجيش إلى الإمساك بزمام الأمور، ودعت الأهالي إلى القاء السلاح. بعد النوايا، نزلت "القوات" إلى الخندق الذي حفره التيار، ضد اللاجئين من الوجهة الإنسانية، وتعميم الحالات الإرهابية وتشييع اسقاطاتها، وإلى حمل السلاح واستنهاض الهمم من الوجهة العسكرية، في تهميش فعلي للجيش وللمؤسسات التي لطالما استماتت في الدفاع عنها. هو ربما التوق الدفين إلى الفدرالية. لكنها في مكان ما قد تكون مبررة في عين أصحابها، على اعتبارها الطريق لمواجهة "حزب الله" ومنعه من توسيع رقعة انتشاره العسكري في المنطقة.

أمر ما يشبه أجواء الحرب يطغى. ينطلق من القاع، بعد عرسال. لبنان كله يختصر في القاع، قاع الأحزاب والقوى. هذا القاع جزء تعميمي. فيه التوصيف الدقيق للحالة اللبنانية، وهي تكمن في قاع الحرب، وإن تأخر اشتعال البارود.