متى يقترب "حزب الله" من جعجع؟

إيلي القصيفي
الأربعاء   2016/02/10
عندما وقفت النائب ستريدا جعجع في مجلس النواب في آذار 2014 متوجهة إلى "الشركاء في حزب الله" وداعية إياهم إلى "قرارٍ شجاعٍ وواضح من قبلِكم، لنكونَ سوياً في كنَفِ الدولة ونعيشَ سوياً على هذه الأرض"، لم يكن لدى "حزب الله" ما يوجب استعجاله التقرب من "القوات"، فهو كان مقبلاً على "حكومة اللون الواحد" بعد ظاهرة "القمصان السود" في شوارع بيروت، وكان قد انخرط في الحرب السورية إلى جانب "نظام الأسد" على عكس موقف "القوات" التي راحت تنتقده على هذا الانخراط وتدعوه إلى الانسحاب من سوريا، في وقت كان الحزب يحتاج إلى موقف داعم له في حربه هناك. أي باختصار لم يرَ الحزب ما يوجب تغيير موقفه من "القوات" طالما الأخير لم يبدّل موقفه منه، خصوصاً أنّ حليفه العماد ميشال عون يؤمن له تغطية يحسد عليها في لبنان كما في سوريا- وإن كان الحزب لم يستشر عون قبل ذهابه إلى سوريا كي لا يحرجه كما قال السيد حسن نصرالله أخيراً- وبالتالي  كان الحزب مكتفياً بدعم عون، وهو بطبيعة الحال دعم كاف بالنظر إلى زعامة عون لدى المسيحيين!


اليوم ثمة معطيات جديدة في حركة "القوات" أبرزها التقارب الحاصل مع العماد عون والذي تجسد في إعلان الدكتور جعجع ترشيح عون من معراب. وهذا تحول لا يمكن الحزب تجاهله والتغاضي عنه كأنه تفصيل لا يقدّم ولا يؤّخر طالما "الجنرال والسيد واحد" وما داما في "تكامل وجودي". ففي الحد الأدنى سنشهد تبريداً إجبارياً بين "القوات" و"الحزب"، إذ لا يمكن الحزب ان يهاجم "القوات" وهو على تقارب مع حليفه الأقرب والعكس صحيح، كما أن مهاجمة "القوات" تعني أيضاً مهاجمة التقارب العوني- القواتي، ما يضعف موقف الحزب لدى المسيحيين المرحبين بهذا التقارب عموماً، في وقت يعتبر الأخير تعزيز موقفه وسطهم مكسباً "استراتيجياً" له. وهذا ما عبّر عنه موقف الحاج حسين خليل في الرابية الأسبوع الماضي إذ قال: "نحن نعتبر أن هذا الإعلان وما جرى في معراب هو في مثابة خطوة صحيحة في مسار طويل ونأمل في ان تعمم ليس فقط في الوسط المسيحي بل ايضاً الى كل الوطن". ما هو هذا المسار الطويل إذاً؟ المنطلق الأساسي لـ"سياسة" "حزب الله" تجاه المسيحيين هو أنه في حاجة إلى تحالف معهم ضمن اللعبة الداخلية التي يقف فيها في مواجهة "تيار المستقبل" لأسباب محلية وإقليمية معروفة. وهذا دافع التحالف مع العماد عون في الأساس، ويكفي للدلالة على ذلك تصور ما سيكون عليه وضع "حزب الله" لولا تحالفه مع عون. لكن الأخير اليوم ليس نفسه قبل 10 سنوات، عامل العمر هنا أساسي، وسنن الحياة في النهاية أقوى من الاعتبارات السياسية ومن "الالتزام الأخلاقي". بالتالي الحزب ملزم بالتفكير في مرحلة ما بعد عون، خصوصاً أن علامات استفهام تطرح في شأن قيادة "التيار الوطني الحر" بعده (أطال الله في عمره). والوزير جبران باسيل، بالرغم من ديناميكيته، لا يبدو أنه يتمتع بالكاريزما الكافية التي تؤهله لوراثة زعامة عمّه الجنرال، فحتى في البترون لم يستطع ابراز زعامته حتى الآن، ولم يستطع أن يكون سايد عقل ثانياً في هذه البلدة الشمالية الجميلة. والحزب بالتأكيد يعطي بالاً لذلك، ويعرف أن في حسابات جعجع وراثة زعامة العماد عون، وهو في واقع الأمر ووفق المعطيات الحالية سيكون الزعيم المسيحي الأول بعد أفول نجم عون، الذي هو الآخر استفاد من فراغ الزعامة لدى المسيحيين ليكرس زعامته مذ كان في قصر بعبدا بعد اغتيال الرئيس بشير الجميل ووفاة والده بيار والرئيس كميل شمعون وبقاء العميد ريمون إده في منفاه الباريسي. وغالب الظن أنّ مقصد الحاج حسن خليل في حديثه عن "المسار الطويل"، فتح الباب أمام أفق تقاربي مع "القوات"، ناهيك أن الحزب في اللحظة الراهنة يستفيد من "التباعد" القواتي- المستقبلي.

وهذا الأمر تعززه قراءة دقيقة لخطوة جعجع تتجاوز ردّ فعله على ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية كما حساباته الوراثية للعماد عون، إذ لا شكّ أن جعجع تابع الاتفاق النووي مع ايران وما ترتّب عليه من انفتاح دولي على طهران ظهر جلياً في جولة الرئيس حسن روحاني على العواصم الأوروبية أخيراً موقّعاً عقوداً تجارية بمليارات الدولارات. ثمة في خطوة جعجع بعض من إعادة تموضع سياسي أملته الوقائع الإقليمية والدولية، وما يجري في سوريا دليل كاف للتيقن أن "توازن الردع" في وجه إيران وروسيا مفقود في ظل سياسة "الصبر الاستراتيجي" الأوبامية، وفي ظل الموقف العربي العاجز عن المواجهة وحده من دون غطاء أميركي فضلاً عن تعدد أولوياته، في مصر التي يهممها ضرب "الإخوان" والسعودية المشغولة باليمن قبل غيره. وها هو ملك البحرين يهدي الرئيس بوتين سيفاً دمشقياً لعلّه بذلك يكسب ضمانة روسية في وجه الضغوط الإيرانية على حكمه في المملكة الصغيرة. الأرجح أن جعجع قرأ هذه المعطيات ملياً، ووجد أن عليه خلط أوراقه بحيث لا يعود رأس حربة في المحور المعارض لإيران، وإن كان سيبقي قدماً فيه بطبيعة الحال، أي أنه سيتحرك ضمن هامش أوسع، وهو ما قد يُعدّ تعديلاً في موقفه سيتلقفه "حزب الله" لأنه في النهاية على حساب الجبهة المعارضة له، فضلاً عن أنّ الظروف قد تلزمه بأن يقترب من رئيس "القوات" إذا ما آلت الزعامة المسيحية إليه. فحلفه مع "المردة" والتقارب بينه وبين "الكتائب" غير كافيين لتأمين ظهير مسيحي قوي في المعادلة الداخلية وحتى الإقليمية. لا شك أنه سيحتاج إلى جعجع في آخر الأمر أو أقلّه سيهادنه ويجتنب إغضابه، وفي ذلك نقطة قوة لجعجع يحافظ عليها بمقدار ما يوظفها في استراتيجية بناء توازن داخلي بين السنة والشيعة في البلد، تكون مدخلاً لاستعادة المسيحيين دورهم الإيجابي فيه، وهو ما ذكره البطريرك الراعي في عظة قداس مار مارون!