النسبية.. ضد جنبلاط والحريري

وليد حسين
الخميس   2016/12/22
أول غيث رفض النسبية في "تغريدات" جنبلاط (علي علوش)

لنقل الأمور بوضوح. لقد كان الحزب التقدمي الإشتراكي من الداعين الأوائل إلى اعتماد النظام النسبي في سبعينيات القرن المنصرم، إذ كانت الحركة الوطنية التي شكّل التقدمي أبرز أركانها، تلقى انتشاراً واسعاً في الساحة السياسية مقارنة مع الجبهة اللبنانيّة. أمّا اليوم، وفي ظل الإنقسام الطائفي وسيطرة القوى السياسية المذهبية على المجتمع اللبناني، بات حضور الأحزاب فولكلورياً، إذ ليس من مصلحة التقدّمي السير في نظام نسبي الغلبة فيه للأكثريات الطائفية، وعنينا بالتحديد الشيعية السياسية لما تمثّله من غلبة عدديّة من ناحية، ومن تكاتف طائفي لا مثيل له في بقية الطوائف اللبنانية.

وإذا كان تيار المستقبل هو الأقوى داخل الطائفة السنيّة فتعددية التمثيل السياسي فيها واسع. وهذا يسري على الطوائف المسيحية أيضاً، إذ رغم غلبة الثنائي المسيحي المستجدّ، هناك وجود قوى سياسية متنوعة في الساحة المسيحية تقف صدّاً منيعاً في وجه هيمنة الثنائي. ما يعتبر مستحيلاً داخل الطائفة الشيعية. فالثنائي الشيعي لا يُعد مهيمناً فحسب، بل إن التعدّدية داخل الطائفة معدومة أو أقلّه "ميكروسكوبيّة" ومن الصعب تبيانها حتى لو وضعنا عدسات مجهرية مضاعفة. علما أن الثنائي الشيعي وحده، إلى غيره من القوى المدنية، يطالب بالنسبية التامّة على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر كبرى.

وفي ما لو طبق النظام النسبي على الدوائر الست، أي محافظات الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان الجنوبي وجبل لبنان الشمالي والشمال، ستكون الغلبة في الجنوب للطائفة الشيعية (23 نائباً) والبقاع (23 نائباً). ففي الجنوب يشكل الشيعة نسبة 65% من عدد الناخبين المسجلين وعددهم 700 ألف ناخب. أما في البقاع فتبلغ نسبة الشيعة نحو 40% من عدد الناخبين المسجلين وعددهم نحو 500 ألف يشكّل الشيعة، ويليهم السنة أكثر من 30%. ولو أخذنا فارق الأصوات بين أول الخاسرين وآخر الرابحين في دائرة بعلبك الهرمل الحالية فسيكون نحو 100 ألف صوت، بينما لو أخذنا دائرة زحلة فالفارق بين الرابحين والخاسرين كان نحو 8000 صوت. وفي دائرة راشيا البقاع الغربي كان الفارق نحو 4000 صوت. ما يعني أن لدى القوى الشيعية قدرة تجييرية لا تضاهيها بها بقية الطوائف. وهذه الحال في دوائر محافظتي الجنوب.

أما في حال اعتمدت النسبية في دائرة الشوف وعاليه المستحدثة (13 نائباً)، حيث يشكّل الدروز نسبة 40% تقريباً من عدد الناخبين، نحو 300 ألف ناخب، ويشكّل الموارنة نسبة 25% منهم، والسنة نحو 17%، يليهم الروم الكاثوليك بنحو 7% والروم الأرثوذكس بنحو 5%... فالخاسر الأكبر سيكون النائب وليد جنبلاط، إذ لن تميل الكفة لمصلحة كتلة اللقاء الديمقراطي كما هو الوضع حالياً في دائرة الشوف حيث حصل اللقاء على خمسة مقاعد من أصل ثمانية. إذ، ومع ضم دائرة عاليه حيث الغلبة كانت لقوى 8 آذار في الانتخابات السابقة، إلى الشوف، ستحجّم النسبية حصة جنبلاط لا محالة.

ليس هذا فحسب، فبالإضافة إلى خسارة المقعد الدرزي في دائرة راشيا الحالية، بعد ضمها إلى محافظة البقاع، سيكون المقعد الدرزي في دائرة بيروت الثالثة مهدداً. ففي حال أصبحت بيروت محافظة واحدة فالغلبة فيها ستكون للصوت السنّي يليه الأرمن والشيعة، إذ يبلغ عدد الناخبين على مستوى المحافظة نحو 450 ألف ناخب يشكّل السنّة منهم نسبة 40% يليهم الأرمن والشعية بنحو 15% على التوالي.

وإذا كان الثنائي المسيحي سيعزّز حضوره في دائرة جبل لبنان الشمالي (22 نائباً)، فالوضع في دائرة الشمال سينقلب رأسا على عقب. إذ إن ثاني أكبر الخاسرين من النسبية سيكون تيار المستقبل. فصحيح أن الناخبين السنّة يشكلون أكثر من 50% من الناخبين البالغ عددهم نحو 750 ألف ناخب على مستوى المحافظة، إلا أن التعددية الحزبية إلى الزعامات المحلية، بدءا من عكار مروراً بزغرتا وطرابلس والكورة فالبترون، ستجعل تيار المستقبل ثاني أكبر الخاسرين بعد التقدمي.

خلاصة الأمر. صحيح أن النسبية على المدى البعيد تسهم في تجديد الحياة السياسية إنطلاقا من إعادة صوغ تحالفات جديدة على مستوى البلد أو الدائرة الكبرى، لكن طرحها حالياً هو العلاج الناجع لتفجير البلد. أول غيث رفض النسبية كان في "تغريدات" جنبلاط، تلاه بيان المجلس المذهبي الدرزي الذي حذّر من اعتماد "أي قانون انتخابي يخفي محاولات عزل سيجابه بالوسائل والطرق المتاحة".