إدارات فوق القانون: حكومية أو خاصة؟

حنان حمدان
الأربعاء   2016/12/14
باتت أوجيرو محرك وزارة الإتصالات والعمود الفقري لشبكتي الهاتف (علي علوش)
اعتادت الدولة اللبنانية تبرير وضعية العقود الملتبسة في كثير من المرافق العامة بالظروف الإستثنائية وضرورة استمرار عملها، فخلقت بذلك كيانات مبهمة الهوية، ويصعب تحديد طابع أدائها المؤسساتي، أكان عاماً أم خاصاً، في ظل غياب أي إطار قانوني ينظم عملها.

تبدأ قصة هذه الكيانات، فور انتهاء مهلة عقد أو امتياز كان يربط الدولة بإحدى الشركات الخاصة التي تدير مرفقاً عاماً، فتلجأ الدولة إلى اعتماد صيغة من اثنين: إما التمديد للعقود الموقعة مع الشركة الملتزمة، كحال شركة سوكلين التي احتكرت قطاع النفايات في لبنان لأعوام وشركة باك التي مازالت تدير السوق الحرة في مطار بيروت الدولي رغم انتهاء مدة العقد الموقع معها؛ أو اعتماد صيغة خلق كيانات غير قانونية كأمر واقع.

والأمثلة على هذه الحالات كثيرة، تستعرض "المدن" بعضاً منها:


الهيئة التي تتولى إدارة مرفأ بيروت
تشكلت هذه الهيئة (اللجنة) قبل 20 عاماً، وكانت الغاية منها حصر الموجودات والمطلوبات في المرفأ، بعدما انتهى العقد الموقع مع الشركة الفرنسية التي كانت ممنوحة إمتياز إدارة وتشغيل المرفأ من قبل السلطنة العثمانية. والصيغة التي كان يفترض أن تسري بعد حصر إرث الشركة، هو إنتقاله إلى الدولة اللبنانية حتى إجراء ترتيب آخر، كاستدراج عروض أو توقيع عقد مع شركة جديدة، أو في أسوأ الأحوال جعل المرفأ تحت إدارة وزارة الأشغال العامة والنقل. والحال أن هذه الهيئة التي يفترض أنها تشكلت لغرض حصر الإرث ليس أكثر، باتت تدير المرفأ وتضع تسعيرات وتجني أرباحاً كما الشركات الخاصة، لتستمر الحال على ما هي عليه حتى اليوم.

إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي)
مثل هيئة مرفأ بيروت، كانت هذه المؤسسة تدار من شركة فرنسية قبل أن تنتقل إدارتها مباشرة إلى الدولة اللبنانية في العام 1991 ممثلة بالريجي.

والريجي هي مؤسسة عامة تخضع إدارياً لوزارة المال، وتعمل في مجال الزراعة، الصناعة والتجارة. وتتولى منح الرخص والأذونات الزراعية لمزارعي التبغ بشكل حصري. وتقوم بتصنيع سجائر وطنية والمعسل والتنباك في معاملها الخاصة. وتمارس تجارتها الخاصة من خلال عمليات استيراد التبغ والتنباك المصنع، كونها الوكيل الحصري لجميع أصناف المصنوعات التبغية المستوردة. وبسبب ذلك، أصبحت تعمل بوجهين. فهي تمارس حقوقها كمؤسسة عامة بفرض الرسوم والضرائب على الدخان المستورد. وفي الوقت نفسه، تجني الأرباح كالمؤسسات الخاصة.

هيئة أوجيرو
هيئة أوجيرو هي مؤسسة عامة مملوكة من الدولة اللبنانية، تأسست في العام 1972 بموجب القانون رقم 21/1972، عند انتهاء امتياز راديو أوريان، لمتابعة أعمال الشركة اللبنانية الفرنسية سابقاً، وأطلق عليها اسم هيئة إدارة منشآت الراديو المنتقلة إلى الدولة اللبنانية، وهي عبارة عن أبراج كانت موجودة على سد الأوزاعي قبل توسيع المطار، إلا أن الهيئة استمرت والتزمت أعمالاً أخرى، وباتت تمارس عملها كمحرك لوزارة الإتصالات والعمود الفقري لشبكتي الهاتف، وهي النواة المستقبلية لشركة ليبان تيليكوم. اليوم، تقدم هذه المؤسسة خدمات الهاتف والإنترنت وDSL والخدمة الرقمية، لكن في الوقت نفسه لها إعلاناتها ويافطاتها خلافاً لما نص عليه القانون، وقد تغير اسمها إلى أوجيرو للإتصالات.

أحداث عدة مرت بها المؤسسة جعلتها المشغل الأساسي لشبكة الاتصالات في لبنان. ففي كانون الأول العام 1975 تم تكليفها بإدارة وتشغيل دائرة المعلوماتية وإصدار الفواتير تحت إشراف المديرية العامة للصيانة والإستثمار في وزارة الاتصالات، ثم تم تكليفها بمهمات صيانة شبكة وتجهيزات الهاتف الثابت في أيلول 1994.

اللجنة التي تدير منشآت النفط في لبنان
هذه اللجنة هي كيان مبهم الهوية، يتألف من منشأتين، وكل منشآة منهما تتألف من موقعين (مصب ومصفاة). تديرها لجنة تشكلت إثر انتهاء عقود الامتياز التي كانت موقعة مع شركة النفط السعودية ميدريكو وشركة نفط العراق IPC، وتولت الحكومة اللبنانية إدارتها في العام 1992. قبل ذلك، تم وقف العمل في مصفاة الزهراني في العام 1989 وفي طرابلس في العام 1973.

تعمل هذه المنشآت حالياً في استيراد المشتقات النفطية من طريق المصب وتخزنها في خزانات المنشآت لمعالجتها في وقت لاحق، وتجري الفحوص المخبرية عليها، لتستهلك في السوق المحلية. ولأنها تحتوي على خزانات أصبحت تقوم بعمليات بيع وشراء.

باك حالة خاصة
باك هي شركة خاصة تتولى إدارة واستثمار المنطقة الحرة في مطار بيروت الدولي، انتهت مدة العقد الموقع معها، الذي يسمح لها بمتابعة نشاطها التجاري منذ ست سنوات (العام 2010) من دون أن تتخذ أي جهة معنية الإجراءات اللازمة لتغطية وجودها قانونياً أو حتى شكلياً، وتمارس أعمالها حالياً كما لو أن العقد لايزال سارياً. هي ليست كياناً مجهول الهوية، بل شركة خاصة متعاقدة مع الدولة لكنها تمارس مهامها خارج أي مسوغ قانوني.

المحاصصة
تعزز هذه المؤسسات فقدان الإدارات العامة طابع المصلحة العامة فتصبح خاضعة ومرهونة لنفوذ أحد زعماء القسمة، كما يفسر الوزير السابق شربل نحاس وجود هذه الكيانات. ويعتبر، في حديث إلى "المدن"، أن هذا الواقع يصب في سياق تفكيك الدولة وخلق اقطاعيات كثيرة.

ويشير نحاس إلى أن هذه الكيانات التي نمت وكبرت أصبح لها مفاعيل خطيرة كونها وضعت في سياق نظام الزعامات والمحاصصات وأصبحت تابعة لطرف في السلطة فبات التعاطي معها استنسابياً. فهي مؤسسة خاصة عند تحصيل منفعة ربحية، وتتحول فيما بعد إلى مؤسسة عامة حين تغيب المنفعة. والحال أن اعتماد الصيغتين يعد امتناعاً عن تطبيق ما تنص عليه العقود والقوانين.

يختلف الإطار القانوني في حالة التمديد عنه في حالة الكيانات الجديدة. ففي الصيغة الأولى، بنود العقد الذي مدد له يحكم عمل الشركة، كأن مدة العقد هي في الأصل أطول. رغم أن هذا الخيار مرفوض أيضاً، إلا أن طبيعة عمل الشركة تبقى واضحة وغير مبهمة. أما في الصيغة الثانية، فإن وجود هذا الكيان في الأصل يعد مخالفاً قانوناً كما أن نشاطاتها لا تحكم بقانون.

وفي بعض الإستثناءات وجدت حالات فردية يحكمها قانون، ومع مرور الوقت تطورت الأعمال التي نص عليها القانون نفسه وتوسعت لتشمل أعمالاً أخرى لا يتضمنها القانون أو أنها تغيرت وباتت المؤسسة تقدم أعمالاً بطابع مختلف. كما هي حال قانون أوجيرو، على سبيل المثال، الصادر في العام 1972 بهدف المحافظة على امتيازات الموظفين التابعين للشركة الفرنسية. هكذا، منحت الهيئة الإستقلالين المالي والإداري شرط استلام أعمال صيانة المنشآت، التي لم تعد موجودة. كما أن الموظفين تقاعدوا قبل مدة باستثناء قلة. فيما تم توظيف نحو 4000 عامل وموظف جديد، فتعدل اسمها وباتت تمارس مهام لا تتصل بالغاية التي وجدت لها في الأصل.