"قمصان سود" لترهيب الحراك المدني واستثماره

منير الربيع
الثلاثاء   2015/09/22
إطالة أمد الحراك قد تقود إلى فرض شروط سياسية جديدة
يحسب لـ"التحرك المدني" الذي تضج به شوارع بيروت منذ حوالى الشهرين، صناعة رأي عام خارج الإصطفاف السياسي القائم منذ عشر سنوات، ويحسب له أنه دفع الشعب إلى التعبير عن غضبه ومراحل اختناقه، على الرغم من إستمرار ضياع الشعارات والمطالب المشتتة، مما ساعد كثر في ركوب موجته، من دون أي عناء.
 

عملياً، بدا الحراك أنه يبحث عن إستمرارية ما. النفايات التي أطلقت شرارة التحرك، لا تزال في الشوارع، وفي زحمة الخطط التي تقدمت بها الحكومة وآخرها خطة وزير الصحة أكرم شهيب، التي حظيت بمباركة بيئية ودولية إلى جانب المباركة السياسية، لا يزال التحرك يرفضها، من دون تقديم إصلاحات أو تعديلات، بدل المطالبة بنسفها كلياً.

 
إلى جانب ذلك، كان لتعدد الشعارات التي رفعت، ولتعدد المجموعات التي نشأت، هدف واضح وهو إيجاد أسباب ومسوغات تبرر البقاء في الشارع وإطالة أمد التحرك. وبغض النظر عن صوابية ذلك أو عدمه،  كان اللافت أنه بعد صعود نجم مجموعة "طلعت ريحتكن" برزت نجوم أخرى، أهمها مجموعة "بدنا نحاسب"، التي تضم رموزاً محسوبة على النظام السوري، أمثال نجاح واكيم، زاهر الخطيب، "الحزب الشيوعي" بقيادة خالد حدادة، الوزير السابق شربل نحاس، وهذه الرموز حاولت ركوب موجة الحراك، والتصويب من خلفيات سياسية.

 
نجحت قوى "8 آذار" في تهديد الحراك. رضخ الحراك عموماً، ورفع شعار "كلن يعني كلن" الى الرف، بعد إزالة صورة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، ومن ثم حصر الفساد في ثلاثة أشخاص فقط، هم سعد الحريري، وليد جنبلاط، ونبيه بري، خصوصاً أنه في السياسة يعني حصر الفساد بهؤلاء الثلاثة، مدلولات عديدة، لا يمكن التغاضي عنها.

 
هناك من يعتبر أن رفع صورة كل من جنبلاط والحريري، هو رد على رفع صور الضباط الأربعة في وسط بيروت في العام 2005، أما بشأن رفع صورة بري، فله رسائله السياسية إلى رئيس المجلس، والذي يتلقى الرسائل تلو الرسائل من النظام السوري منذ فترة، وكان له موقف بارز في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر قيل وقتها إن موقفه بتسمية سوريا الأسد هو تلقف لهذه الرسائل، والضغوط.

 
في مشهدية التحركات، ثمة من يربط بين ما يجري اليوم، وما جرى في العام 2003 وما اشتهر على تسميته بأحداث وزارة العمل، والتي كانت وقتها صراعاً واضحاً بين بري واللواء جميل السيد، واليوم لا ينفصل حصر صورة بري برموز الفساد عن هذا الصراع، إذ أن هناك من يقول إن بري فاسد وحان وقت تغييره، ويقدم أوراق اعتماده ليحل مكانه، وهنا تتحدث شخصيات سياسية وصفت بأنها "تشيطن الحراك"، عن دور للسيد في الإستثمار ببعض المجموعات، وهو ما برز بوضوح مع بعض الأسماء التي ظهرت.

 
لا يعني هذا التحرك أن هناك مؤامرة معينة، لا بل هناك غضب لدى الناس، إنما العديد من الأفرقاء الذين سعوا إلى الإستثمار بهذا الأمر، استطاعوا النفاذ، إن في استثناء "حزب الله" من الفساد، أو في التصويب على شخصيات سياسية ضعيفة ليس خلفها أي قوة سياسية، ويسهل إنتقادها.

 
مشهود للتحرك بعمومه، أنه نتج بسبب فشل الدولة وعجز الحكومات عن إيجاد الحلول للازمات المختلفة، وبالتالي دفع في إطار تصويب أداء المؤسسات الدستورية، لكن كما كل شيء في لبنان فإن هناك مجموعات تأتي لتستثمر تحركات كهذه، إذ في السياسة هناك من ينصب الشراك للإستثمار في هذا التحرك على المدى البعيد، لا سيما هؤلاء المحسوبين على بعض الأطراف، وهنا يذهب التحليل السياسي إلى أن "حزب الله" قد يستفيد من هذا التحرك، على المدى الطويل، إن لم يحدد الحراك شعاراته، خصوصاً أنه يسمح له بالإنقضاض على كل شيء على غرار ما حصل في 7 أيار 2008 لتحسين شروط سياسية وظروف مواقعه في الدولة، مستنداً الى الإستثناء الذي أمنته بعض المجموعات وتحديداً المحسوبة على "8 آذار"، فيما المجموعات الأخرى وإن التزمت بشعارات "كلن يعني كلن"، و"14 و8 عملو البلد دكانة"، إلا أنها بطبيعة الحال عاجزة عن مواجهة السلاح.

 
في المشهد العام مارست بعض القوى على الأرض، وعلى مواقع التواصل الإجتماعي ما يمكن اعتباره مشهداً مكرراً لـ"قمصان سود"، لترهيب التحرك، الذي يبدو أنه اليوم أمام تحد واضح إما العودة الى شعارات التعميم ضد الطبقة السياسية ورموزها، أو تسهيل مهمة البعض في ابتلاع الحراك، خصوصاً أن البعض حاول منذ اليوم الأول الإستثمار من الحديث عن "المؤتمر التأسيسي"، إلى ما قاله بالأمس الوزير السابق وئام وهاب حول ان "الأجواء والتحركات قد تحدُث تطورات تحمل ميشال عون الى رئاسة الجمهورية خلال وقتٍ قريب لا سيما أن إنتخاب رئيس لبنان يتطلب موافقة بشار الأسد"، والمفارقة أن هذا الكلام يأتي بالتزامن مع عزم "التيار الوطني الحر" التظاهر أمام القصر الجمهوري الشهر المقبل، في وقت يدعو أفرقاء آخرون إلى الضغط الشارعي من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية.