حكي جردي: القائد أنطوان.. مع فائق الاعتذار

بومدين الساحلي
السبت   2015/09/19

"إن غبطة سيدنا البطريرك كلفني أن أنوب عنه وأن أترأس هذه الحفلة الجنائزية وأن أقدم لعائلته ولجميع المفجوعين به تعازيه الأبوية، وأن أعرب لكم في هذا الظرف الصعب عن عواطفه وعن محبته وعن تضامنه معكم.. أما بعد فإنكم جميعاً تعلمون أن المصاب أليم وأنه مفجع بالنسبة للعائلة وللبلدة وللمنطقة بكاملها.. تراب لبنان قد ارتوى بدماء الشهداء منذ 25 سنة، وهذا الوطن الصغير الذي حمّلوه جميع مشاكل الشرق الأوسط لم يحصل بعد على الأمن والاستقرار ولا على الأمان والسلام.. أتوقف عند حياة الفقيد الفاضل، لقد عرفته كما عرفناه رجل إيمان وأباً عطوفاً حنوناً وإنساناً محباً للجميع، لقد غسل بدمه تراب هذه المنطقة.."
**  **  **  **

المقطع الوارد أعلاه ليس تأبينا لأحد شهداء لبنان الذين ضحوا في سبيل تحرير أرضه، ولا لأحد رجالاته النزيهين أو المرموقين في السياسة أو العلم أو الثقافة، إنما هو كلام "مطران العيش المشترك" – كما وصفه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يوم موته - مارون صادر داخل كنيسة القديس جرجس للموارنة في قرية دبل التي كانت يوما محتلة بحضور نائب وزير الحرب الصهيوني في ذلك الحين ورئيس أركان جيش الاحتلال أثناء مراسم تشييع "المواطن اللبناني" عقل هاشم، الذي حمل وتباهى بالجنسية الاسرائيلية، والذي كان على امتداد ربع قرن العميل الأول لإسرائيل، والذي سَجن وقَتل ورَوّع وسَحل ونَكّل وعَذّب وهَجّر الآلاف المؤلفة من أهلنا في الجنوب، والذي قتلته المقاومة الإسلامية مطلع العام 2000 قبل هروب جنود الاحتلال الاسرائيلي من "الشريط المحتل" بأشهر.
**  **  **  **

في ذلك التأبين قال صادر " نتضامن مع أهالي دبل والمنطقة الحدودية في هذا المصاب الأليم، وأتقدم باسم صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير بأحر التعازي من زوجته وأولاده وبناته ومن والديه المفجوعين، ومن حضرة اللواء الفاضل أنطوان لحد ومن رفاقه الجنود، سائلين الله أن يتغمده برحمته".
**  **  **  **

"اللواء الفاضل" أنطوان لحد مات منذ ايام، ذكرت ذلك وسائل إعلامية نقلا عن أفراد من عائلته، وأوردت أيضا أنه قضى في باريس، علما بأن الدولة الفرنسية أصدرت قرارا في العام 2000 منعته بموجبه من دخول أراضيها لأنه مجرم حرب: فعلا هي الأم الحنون.

للتذكير، "اللواء الفاضل" قاد "جيش لبنان الحر"  -الذي كان الدرع الواقية لقوات الإحتلال في الجنوب- بعد موت مؤسسه الرائد سعد حداد في العام 1984، واستمر في منصبه حتى هرب جنود "الجيش الذي لا يقهر" تحت وطأة ضربات المقاومين المتتالية.
**  **  **  **

بناء على ما ورد وحيث أن اللحمة الوطنية يجب أن تتصدر المشهد هذه الأيام، فمن واجب كل مواطن لبناني حريص على الوحدة والعيش المشترك، لاسيما في مثل هذه الأوقات الصعبة، أن يتقدم من عائلة الفقيد الراحل أنطوان لحد ومن محبيه ورفاقه الباقين في عموم بلاد فلسطين المحتلة والمهجر بأحر التعازي متمنيا أن يكون مقامه في أعلى علّيين مع الشفعاء والقديسين، وأن يعتذر منه على ما بدر من الشهداء في عملياتهم العسكرية، ومن الأمهات الثكالى في دعواتهم له بالقتل، ومن الآباء المفجوعين في أحلامهم بالثأر.
**  **  **  **

في بلاد مثل لبنان، حيث كل شيء مكشوف ومباح بعيدا عن اية قيم أو قوانين أو أصول، وحيث تتصدر المذاهب والطوائف الواجهة، قد تكون جثة العميل أنطوان لحد دخلت لبنان سرا في الايام الماضية، بمعرفة ورضا أهل القرار دون أدنى شك، وقد تكون الآن مراسم التشييع والدفن انتهت، وقد تكون كلمات التأبين التي عددت مآثر وفضائل الراحل أبلغ من تلك التي قيلت في "المغفور له" عقل هاشم

فعلا، الخيانة عندنا ليست أكثر من وجهة نظر.
**  **  **  **

في مثل هذه الأوقات، لا بد أن نتذكر المناضلة سهى بشارة التي نفذت أجرأ عملية في تاريخ المقاومة، والتي دفعت أغلى سنوات عمرها في سجون الاحتلال وعملائه، والتي لا تستطيع منح جنسيتها لابنتيها من زوجها السويسري، بينما سمحت السلطات اللبنانية قبل سنتين لزوجة وأولاد المقبور عقل هاشم بالعودة من فلسطين المحتلة وممارسة كافة حقوقهم كمواطنين لبنانيين بالرغم من حملهم الجواز الصهيوني.