استقالة سلام: الإجتهاد بدل الدستور

إلهام برجس
الإثنين   2015/07/27
إجتهادات تؤكد حق سلام في الإستقالة وتطرح تساؤلات عن المرحلة التالية (علي علوش)
الفراغ على صعيد المؤسسات الدستورية بات أمراً واقعاً. لكنه لا يزال حتى هذه اللحظة واقعاً غير رسمي، بما أنه قائم بفعل الإمتناع عن القيام بالمهام الدستورية وتسيير شؤون الدولة، وليس من خلال الإستقالة وما يتبعها من تخلٍ نهائيٍ عن هذه المهام. وعلى أي حال ليس خيار الإستقالة مستبعداً منذ أن لوح به رئيس مجلس الوزراء تمام سلام.

على الرغم من مرور جلسة مجلس الوزراء الأخيرة من دون إستقالة سلام، إلا أن الإحتمال لا يزال قائماً، وخطوة الإستقالة، إن أقدم عليها سلام تفتح مجالاً واسعاً للإجتهادات الدستورية، ربما لم يشهد الدستور سابقاً لها، تبعاً لحساسية الحالة وإستثنائيتها التي لا يغطيها النص الدستوري.

تساؤلات عديدة تطرح، بعضها يتعلق بإمكانية نفاذ الإستقالة وفقاً للآلية المعتمدة لقبولها ونفاذها، وأخرى تتعلق بالنتائج المترتبة عليها في ظل الفراغ الرئاسي، ومنها: إلى من سيتقدم سلام بإستقالته؟ وهل يمكن إنكار حق سلام بالإستقالة بسبب فراغ سدة الرئاسة؟ وما النتائج المترتبة على الإستقالة إن تمت؟ وماذا عن مبدأ إستمرارية المؤسسات الدستورية؟ وهل في الدستور اللبناني ما يحمي هذا المبدأ في حال الفراغ التام على مستوى السلطة التنفيذية؟

في المبدأ الدستور اللبناني على ما فيه من ثغرات، غير قادر على تقديم الإجابات الكاملة. وبما ان الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية تفسير الدستور هي مجلس النواب، وهي السلطة المعطلة أيضاً، بات الأمر اليوم رهناً بالإجتهادات التي لا تخلو من التناقضات في ما بينها، والتي لا تنعزل عن المواقف السياسية لأصحابها.

في سياق الإجتهادات، يرفض وزير العدل السابق إبراهيم نجار في حديث لـ"المدن" إصرار "البعض" على تجريد رئيس مجلس الوزراء من حقه بالإستقالة. ويعتبر أن "هذا الحق الممنوح لرئيس الحكومة دستوراً يبقى إرادياً بحتاً، يستقل به الرئيس وينفرد بإتخاذه من دون رقابة أي جهة كانت". ولا يجد نجار في صراحة النص الدستوري في المادتين 53 (فقرة 5) و54، أي تعارض مع حق سلام بالإستقالة في ظل فراغ سدة الرئاسة. والمادتان الأخيرتان تحصران برئيس الجمهورية صلاحية التوقيع على مراسيم إستقالة الحكومة أو إعتبارها مستقيلة. ولا يشترك معه رئيس مجلس الوزراء بالتوقيع على هذا القرار، خلافاً لباقي القرارات التي يشاركه في التوقيع عليها رئيس المجلس والوزراء المختصون.

لكن في المقابل، وعلى الرغم من تأكيد نجار حق سلام بالإستقالة، يقول إن "الفراغ ممنوع، حتى في حال إستقالة الحكومة"، لأن "إستمرارية المؤسسات الدستورية فوق كل إعتبار"، وبالتالي، لا تلغي إستقالة سلام من وجهة نظر نجار وجود الحكومة، إنما تحولها الى تصريف الأعمال، وهي في الحالتين تحل محل رئيس الجمهورية بالوكالة. فـ"الظروف الإستثنائية" التي تمر بها الدولة تحتم تحمل المجلس لهذه المسؤولية سواء بصلاحياته العادية أو تصريف الأعمال. ويضيف نجار إن إستقالة الحكومة في هذه الظروف "تجعل تعيين رئيس جديد لمجلس الوزراء ضمن صلاحييات تصريف الأعمال، بعد إجراء الإستشارات النيابية مع الوزراء بوكالتهم عن رئيس الجمهورية"، خصوصاً أن "وكالة مجلس الوزراء عن رئيس الجمهورية لا تتطلب الإجماع في ما بينهم"، مستنداً إلى النص الدستوري الواضح لهذه الناحية، لأنه "للتوافق حدود" وهو الأمر الذي يجده نجار بديهياً، وبالتالي لا يمكن القبول بـ"هرتقة دستورية" تعول على الإتفاق التام بين كل الوزراء لتسيير شؤون الدولة.

ويوافق أستاذ القانون الدستوري زهير شكر عبر "المدن" على أن "إستقالة الحكومة اليوم لا يمكن أن تسمح لها بالتهرب من مسؤولياتها"، وبالتالي، فإن مجلس الوزراء "يبقى مجبراً على الإجتماع"، لأن "الوضع الإستثنائي الذي تمر به الدولة اليوم يلزم كل من مجلس الوزراء ومجلس النواب بالإجتماع اليومي". ويضيف إن "إستمرار الدولة والمؤسسات الدستورية يتطلب التعامل مع الحكومة على أنها غير مستقيلة حتى لو كان الواقع غير ذلك". لكن، في المقابل لا يبدو شكر موافقاً على التوسع بالإجتهاد دستورياً بما يسهل على سلام إتخاذ قرار الإستقالة. وهو لهذه الناحية يركز على القصور الدستوري، من خلال طرح التساؤلات بدل تقديم الإجابات، مثل: "من سيقبل إستقالة سلام؟ ومن سيشكل حكومة جديدة؟". وما هو أخطر من الإستقالة بالنسبة لشكر، هوالإعتكاف. ذلك أن إستقالة الحكومة تجعلها في حالة تصريف أعمال مع ما تفتحه هذه الحالة من إجتهادات دستورية تبقى ممكنة، أما "الإعتكاف فهو تعطيل رسمي لمهام السلطة التنفيذية بشكل كامل، "الأمر الذي يأخذ البلد الى مؤتمر تأسيسي".