الفساد ينخر "حزب الله"..بذخ القيادات وفقر العناصر!

سامي خليفة
الأحد   2015/10/25
نصرالله عاججز عن محاربة الفساد بسبب الإنشغالات في سوريا

بالتزامن مع ذكرى عاشوراء وما تحمله من مبادئ لدى الطائفة الشيعية، يستذكر عدد  من عناصر "حزب الله" ما يصفونه بـ"الزمن الجميل"، حين كان القياديون يتقبلون العيش كفقراء ويشاطرون الجميع همومهم، ووحدها خيبة الأمل تختصر شعورهم أزاء ما يجري حولهم اليوم بعد أن أضحت البيئة الشعبية والقيادية مقسمة الى قسمين وفق منظور طبقي مالي.

بعد حرب تموز عام 2006 سرب بعض قيادات الحزب ما سموه بالبشرى السارة ومفادها أن إيران سترسل تعويضات مالية لأهالي الضاحية والجنوب لمساعدتهم بعد الدمار الهائل وخسارة الناس لأعمالها وارتفاع أسعار الشقق السكنية، لم يطل الأمر كثيراً حتى ظهرت الأموال على شكل سيارات فخمة يقودها قياديو الحزب في مشهد لم يعتد عليه المنتسبون ما أجبر الأمين العام السيد حسن نصرالله على إلقاء خطاب شهير، دعا فيه القادة إلى العودة إلى المساجد والتواضع، لكن الأمور تدحرجت من سئ لأسوأ وأصبح الشرخ الطبقي داخل "حزب الله" أمراً واقعاً.

هذا الواقع ارتد سلباً على الحزب. المواعظ التي كان يلقيها بعض المسؤولين عن الصبر والتحمل لم تعد تلقى أذان صاغية عند العناصر، خصوصاً أن نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أجرى منذ بضعة سنوات مقابلات صحفية  شارحاً فيها وجهة نظر "حزب الله" بأن العقيدة هي ما تدفع الناس إلى الالتحاق بالحزب، وليس المال، لكن الصورة الملائكية تبخرت مع الأيام بعد فضائح الفساد في "حزب الله" المتتالية، بدءاً من ملف صلاح عز الدين وما كشفه من مبالغ ضخمة استثمرها عدد كبير من نواب و قيادات الحزب ومن بينهم الشيخ قاسم، في ظل معلومات أكدت أن قسماً كبيراً من الأموال التي أودعت لدى شركات عز الدين لها علاقة بتعويضات حرب تموز، وصولاً إلى فضيحة الأدوية المزورة لشقيق الوزير محمد فنيش، وما أشيع عن ابعاد غالب أبو زينب بسبب قضايا فساد مالي، والكشف عن عمالة عدد من القياديين الذين يعملون لصالح الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، وغيرها الكثير من الملفات، حتى أن لسان حال البيئة الشعبية بات يقول هذا غيض من فيض وما خفي كان أعظم.

القدسية التي كانت تطغى على نظرة العناصر للقيادات اضمحلت، بكثير من الحسرة يصف محمد هاشم وهو أحد المتعاقدين السابقين في "حزب الله" لـ"المدن" ما يجري، قائلاً: "عندما تتجول في أحياء ماضي والأمريكان والسان تيريز ستجد بعض القيادات التي تقطن شققاً يقدر  سعرها بنصف مليون دولار"، وعليه "هذا ليس حزب الله الذي أخبرني عنه والدي عندما عاش الشيخ راغب حرب كل حياته فقيراً حتى الشهادة". ويشدد محمد على إيمانه المطلق بقضية الحزب، مشيراً أن "هناك بعض القيادات تشوه صورة الحزب لتحقق مصالحها الشخصية". ويلخص تركه لـ"حزب الله" ومغادرته إلى أنغولا لسياسة اللامنطق في التعامل مع العناصر، اذ يقول: "الراتب المنخفض الذي أتلقاه دفعني للبحث عن عمل أخر، أنا حتى لم استطع استئجار منزل صغير في حين يعيش بعض القيادات في بذخ، ولا يعرف حجم ثرواتهم إلا الله".

ويبدو أن الأمور خرجت عن السيطرة، إذ تؤكد مصادر مقربة من "حزب الله"  لـ"المدن" أن "العناصر لم يعودوا ينظرون للقيادات كقدوة يحتذى بها وليس خفياَ أن السيد نصر الله لا يثق بالكثير من المسؤولين لكنه لا يستطيع أن يفعل الكثير لإنشغالاته الكثيرة بملفات متعددة منها الحرب السورية والسياسة الداخلية". وتضيف أن "السيد نصر الله كان بالفعل شكل لجنة لاجتثاث حالات الفساد التي انتشرت في جسم الحزب واستعان بكوادر أحيلت على التقاعد لكن النتائج ما زالت مشابهة للخلية التي شكلت عام 2009 في قضية عز الدين، وحجم الفساد المستشري داخلياً وانفلات الأمور في البيئة الحاضنة والشكاوى اليومية لا يمكن معالجتها الا بالتفرغ التام وهو أمر لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب".

لطالما ميز "حزب الله" نفسه بأنه حزب ثوري لم تتطلخ أياديه بالفساد كما الأحزاب الأخرى ليجد نفسه عاجزاَ عن الوقوف في وجه المفسدين في بيته، وفي العديد من الملفات المرتبطة بالدولة، ليقدم نموذجاً جديداً من الأحزاب اللبنانية ويبتعد أكثر فأكثر عن مرحلة التأسيس وعن الصورة النمطية التي رسمت عن الحزب الإلهي.