براءة اسرائيل

نديم قطيش
الإثنين   2014/07/21

بصعوبة بالغة صعد الخبر الفلسطيني الى صدارة الأخبار وان بقي حتى الان خارج دائرة الاهتمام "الشعبي" او "الجماهيري". حضور غزة إخباريا يكاد يقارب العادة. اي انها عادة إخبارية نمت خلال عقود طويلة من عمر المسالة الفلسطينية، وليس حضوراً ينم عن حال الطوارئ التي تمليها الجريمة المزدوجة في القطاع. جريمة من مهد للحرب بعملية تصفية ثلاثة إسرائيليين مدنيين وجريمة حكومة نتانياهو التي تحمل مطرقة التأديب ولا ترى الفلسطينيين الا كتلة من المسامير. 

لا يثير الخبر الفلسطيني اي شهية. لا شهية لمزيد من التفاصيل. لا احد يريد ان يسمع عن الضحايا. عن أسمائهم عن بيوتهم عن ألعابهم وعن أخبارهم. غزة اليوم ليست في زمن محمد الدرة. لا نجم بين من يغلقون عيونهم الى الأبد. هم رقم فقط. إشارة عددية لمن سيشطبون من سجلات القطاع بعد ان كادت تشطب قضيتهم من الوجدان والقلب والعقل ولم تبق الا على بعض الألسن. عوامل كثيرة ساهمت في تراجع فلسطين على سلم الأولويات. ليست القضية اقل عدلا اليوم. ولا الحاجة السياسية والإنسانية والوطنية لإيجاد الحلول لها اقل الحاحاً. 

ولا لانه بات لشعوب المنطقة همومها الداخلية. في القاهرة وبيروت والرياض ودمشق وبغداد وعمان. فهذه القضايا الداخلية لا تتناقض مع السؤال الفلسطيني بل ربما ترتبط بشكل او باخر بما كانت تسمى يوما القضية الام. فالدمشقي يعرف انه باسم فلسطين يسفك دمه اليوم. والبيروتي كذلك والبغدادي و و و... كلهم يعرف ان لا حل لقضيته من دون تحرير القضية الفلسطينية من الارتهان والعكس صحيح. كما ان الضمير المتحسس والمتحمس لعدالة المطلب الوطني خارج حدوده لا يمكن الا ان يتحسس ويتحمس لعدالة السؤال الفلسطيني. المسالة هنا تتجاوز المعطى الأخلاقي في تناول الأمور الى وحدة العدل والحق كقيمتين مطلقتين.

ولا لان محور المقاومة يتصارع الان مع فضيحته في غزة. فضيحة من غامر بدم القطاع وأهله مدركاً مسبقا حجم الاختلال الهائل في ميزان القوى العسكرية والسياسية والديبلوماسية. فالتعرية الحاصلة اليوم لمحور المقاومة لا تلغي أحقية السؤال الفلسطيني وراهنيته، بل تؤكد على حجم المسؤوليات الكبرى التي تواجه كل من ينخرط في النقاش العام حول القضايا الوطنية في الإقليم من زاوية كارثتي الاحتلال (الاسرائيلي والنظامي) والمقاومة. 

ثمة ما هو اخطر من التراجع الظاهري لأولوية السؤال الفلسطيني. انه الاختلال في ميزاننا الأخلاقي والقيمي والإنساني في تقدير حجم الجريمة، بسبب فظاعة جرائم اخرى مرتكبة بالتزامن. لم يتراجع السؤال الفلسطيني بقدر ما تراجع حضور الدم الفلسطيني في وعينا وضميرنا وآليات غضبنا واستنكارنا.

فالجريمة السورية، على وجه التحديد، تبدو وكأنها صك براءة خبيث يعطى لإسرائيل، يساهم في إنتاجه كل من يتآمر على إطالة أمد الحرب وأول هؤلاء نظام بشار الاسد. لا مقارنة بين حجم الدم المراق في سوريا وبين جريمة نتانياهو في القطاع. التجلد الذي أصاب وعينا امام هول المذبحة السورية جعلنا اقدر على ابتلاع الضحايا. 

سقط في غزة حتى الان ٥٠٠ فلسطيني. من سيجد مكاناً لهؤلاء في أجندة العالم الذي يقدم له بشار الأسد مدرسة غير مسبوقة في القتل والتهجير المنظم للملايين. من سيجد لهم مكاناً لا سيما ان طموح السوريين بات ان يقتلهم نظام الأسد بالوتيرة "البطيئة" ذاتها!!!

لم يسقط السؤال الفلسطيني. سقطت الضحية الفلسطينية تحت ركام اللحم المشوي في مدن عواصم العرب، التي يمنح كل طاغية فيها اسرائيل صك براءة.