دار الفتوى: شهر عسل دريان انتهى

محمد شبارو
الأربعاء   2014/10/22
محاولات واضحة لتحقيق مكاسب في الدار التي يعاد هيكلتها اليوم (علي علوش)

شهر واحد بالتمام والكمال، وعود على بدء. إنتهى رسمياً شهر العسل في عائشة بكار ليعود النزاع بين الأفرقاء، بإختلاف موازين القوى وقدرة كل طرف على الضغط وتحقيق المكاسب، بعد أن أضحى مفتي الجمهورية السابق محمد رشيد قباني في منزله الخاص مطمئناً إلى مستقبله ومستقبل نجله راغب بعد أن اسقطت الدعاوى المرفوعة بحقهما، وبعد أن حل الشيخ عبد اللطيف دريان مفتياً وحيداً من دون منازع وإن شكلي.

الخلاف المستجد بدأ عندما عقد دريان الأسبوع الماضي إجتماعاً للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي يقول منتقدوه إنه مهيمن عليه من قبل "تيار المستقبل". لم يكد الإجتماع ينتهي حتى حمل المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي كان يرأسه قباني، على هذا الإجتماع بوصفه خرقاً للصفقة العربية برعاية مصر والتي أفضت إلى إنتخاب دريان، رغم أنه (المجلس) استقال قبل انتهاء ولاية قباني ورغم أنه لم يكن معترفاً به رسمياً.

9 أعضاء ممن بقوا في عداد مجلس قباني بعد عدد من الإستقالات التي سبقت بلورة الصفقة، سارعوا إلى رفع السقف متوعدين ومهددين بالتصعيد ضد دريان بوصفه تخلى عن وسطيته وإنحاز إلى "المستقبل"، قبل أن يعودوا الى سقف أكثر إنضباطاً خلال اجتماع عقدوه في فندق فينيسيا، مؤكدين وجوب احترام الاتفاق الذي رعته جهات عربية ومحلية، وداعين الراعي المصري وكل المعنيين الى وجوب تنفيذ كامل بنوده.

رغم حراك مجلس قباني إلا أن قوى "8 آذار" بقيت صامتة بإستثناء بعض المشايخ المقربين من "حزب الله" الذين انضموا إلى حملة المجلس. مصادر "8 آذار" لا تزال عند ثقتها بدريان وبأنه مفتي وسطي للجميع وتعتبر أنه لا خلاف اليوم في المجلس. وترفض الإضافة أو التعليق على ما يقال ويتردد.

ما تقوله مصادر "8 آذار" ينسحب فوراً إلى المجلس الشرعي والحلقة المحيطة بدريان، التي تجمع على رفض التعليق أو الحديث في الموضوع بناء على تعليمات صارمة من قبل المفتي بعد أن "اتفقنا على أن نلتزم الصمت من أجل المصلحة العامة"، خصوصاً أن دريان يعمل وفق معلومات "المدن" على حلحلة الموضوع بأقل ضرر ممكن وبعيداً عن "الثرثرة" لأنه لا يريد أن تؤثر على إنطلاقته التي لم تتخط الأربعين يوماً بعد.

السقف المنضبط الذي خرج به مجلس "فينيسيا"، تشير مصادر "المدن" إلى أنه عائد إلى الإتصالات الناشطة على أكثر من محور لحلحلة الأمر، خصوصاً أن المعركة بقيت محصورة من دون أن تتمدد إلى قوى "8 آذار"، وبعد أن نجح دريان في ضبط الحلقة المحيطة به ومنعها من الصدام الإعلامي، رغم أن هذه الحلقة كانت تمني النفس بنجاح مساعي "البعض" في الغاء المؤتمر الصحافي ولجم التصعيد.

وتوازياً مع الصمت المطبق، تُشير مصادر مطلعة عبر "المدن" إلى عقدة مخفية أدت إلى فتح المعركة خصوصاً أن حجة المجلس الشرعي الممثلة في عدم استقالة نظيره، لا تبدو لأحد مقنعة. وتذكر المصادر أن دريان وقبل إنتخابه رفض الدخول في الخلافات السابقة بإعتبار انه لا علاقة له بالمرحلة الماضية ملتزماً فقط تعهداته لجهة البقاء على مسافة واحدة من الجميع وهو ما تحقق بالممارسة، مشيرة إلى زياراته واستقبالاته التي شملت كل القيادات والمرجعيات من دون استثناء.

يُحضر المجلس الشرعي فعلياً إلى انتخابات مقبلة وهو لهذه الغاية أضحى قاب قوسين أو أدنى من الإنتهاء من اعداد لوائح الشطب، على أن يسبقها أو يليها بعض التعيينات الإدارية المهمة وإنتخاب المجالس الوقفيّة ومفتي المناطق. وتشير المصادر إلى أنه "عملياً، دريان بحاجة إلى سنتين على أقل تقدير لإعادة ترتيب أوضاع الدار على الصعد الإدارية والمالية والتنظيمية، فيما البعض يلاحقه بعد مضي شهر". وتلفت إلى أن دريان إنتخب فعلياً من هيئة ناخبة من ضمنها المجلس الشرعي الذي ترأسه في الإجتماع الأخير وهو ما يعد إعترافاً من قبل من أبرموا الصفقة العربية بهذا المجلس اضافة إلى الإعتراف القانوني والقضائي، وتذكر أن المفتي لا يمكنه الطلب من المجلس الإستقالة لأنه عملياً بحاجة اليوم إلى ذراع تنفيذي لإجراء الإنتخابات.

يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً الآن حول مغزى وتوقيت فتح المعركة. هنا، تجيب المصادر بالحديث عن محاولات واضحة لتحقيق مكاسب في الدار التي يعاد هيكلتها اليوم خصوصاً أن المعارك الإنتخابية إن كان على صعيد المجالس الوقفيّة أو على صعيد المجلس الشرعي ومفتيّ المناطق لن تؤمن لهم أي دور يذكر بما أن التيارات القادرة على التجييش الشعبي معروفة للجميع، وبالتالي يحاولون تحقيق توازن ما عبر التعيينات.

هذه التطورات التي يقابلها دريان بمحاولة نزع كل الألغام التي قد تعترض طريقه في بداية عهده، انسحبت على رئاسة المحاكم الشرعية السنية العليا التي شغرت بعد أن تولى منصب الإفتاء. هرب دريان سريعاً من هذا اللغم الداخلي بعدما كثرت التنافسات بين القضاة سراً وعلناً، فكان المخرج بتعيين مجلس القضاء الشرعي الاعلى المستشار الاقدم في المحكمة القاضي الشيخ احمد مختار شميطلي رئيسا ومديرا عاماً.


عملياً، عادت دار الفتوى لتشكل ساحة صراع سياسي. ورغم أنه لا يزال منضبطاً إلا أن الأيام المقبلة التي ستحمل معها اعادة هيكلة الدار ستفتح باب الصراعات، لينتهي مع ذلك فعلياً شهر الإشادة والتهاني ويبدأ الجد، بعد أن أثبتت الدار خلال الأعوام الماضية أنها مهمة على الصعيد والسياسي والديني وحتى المالي ومحط أطماع الجميع.