أزعور..كدليلِ وعيٍ ماروني

ساطع نور الدين
الإثنين   2023/06/05

أكثر من أي وقت مضى، يتشكل اليوم جسم سياسي مسيحي واحد، يمثل الغالبية الساحقة من المسيحيين، وتحركه غريزة البقاء، والدفاع عن النفس، في وجه الطائفة الشيعية التي تريد ان تفرض، بخلاف الطبيعة، وبعكس التجربة العونية السابقة، رئيساً للجمهورية، لا يتمتع سوى بالحد الأدنى من أصوات الموارنة.. والسنة والدروز.

عملية التشكيل تسلك مساراً متعرجاً، يفترض تجاوز عقود من التشرذم، لكنها ستؤدي في نهاية المطاف الى ما يشبه الاجماع السياسي، النادر أصلا في التاريخ الماروني، والذي يمكن أن يحول معركة رئاسة الجمهورية من مواجهة مع مرشح مرفوض، الى يقظة سياسية جديدة للطائفة، المسؤولة أكثر من بقية الطوائف عن إحتمال زوال لبنان.     

اللعب على الكلمات، يثير بعض الشك: ما يجري اليوم هو حسب المعلن، "تقاطع" بين الكتلتين السياسيتين والشعبيتن الكبريين، أو مجرد لقاء تكتيكي في منتصف الطريق. ليس تحالفاً ولا توافقاً ولا حتى تفاهماً سياسياً. هو بالتحديد لقاء الصدفة العابر، الذي لن يصمد الى ما بعد أداء الرئيس المنتخب بأصوات الغالبية المسيحية القسم الدستوري، والشروع في عملية تشكيل الحكومة الجديدة وتوزيع حقائبها الوزارية.

وكذا الامر بالنسبة الى الاعلانات المتفرقة عن ذلك "التقاطع"، من دون الاعتماد على عباءة البطريركية المارونية، ومن دون صورة جامعة "للمتقاطعين"، ومن دون السماح بكل ما يوحي على سبيل المثال أن التيار العوني ذهب عند القوات اللبنانية او العكس.. لكي لا يحمّل "التقاطع" ما لا يحتمل من معانٍ سياسية، ولكي لا يسيء أحد من الطوائف الاخرى فهمَ ذلك الخيار الانتخابي الطارىء، الذي يمكن ترجمته على النحو الآتي: ترشيح سليمان فرنجية يوحّد المسيحيين والموارنة خاصة، لكنه إتحادٌ مؤقتٌ، وعابر ليس إلا.

لكن هذا الاتحاد حول إسم المرشح جهاد أزعور بالذات، يشي بما هو أبعد من كل مؤقت: هو في الجوهر، خيار سياسي عاقل، لطائفة مأزومة بالانقسام الحاد الذي لا مخرج منه. ثمة وعيٌ متجددٌ بأن مصلحة المسيحيين والموارنة الملحة والعاجلة، تقتضي اللجوء الى أحد أفراد نخبتهم الاقتصادية، المحايدة سياسياً، لانتشال البلد من الغرق..بغض النظر، الآن على الاقل، عما يقوله الرجل في محاوراته الخاصة، وبوضوح شديد، عن أن الازمة الاقتصادية الحالية التي يتعهد باحتوائها بسرعة، يمكن ان تتجدد بعد عشر سنوات، وبشكل أسوأ وأخطر، إذا لم تترافق خطوات الاحتواء مع إصلاح جذري شامل للنظام السياسي اللبناني الذي أنتجها.

الاتحاد حول أزعور، لن يترك للصدف الكثير من الفرص، ولن يكون مجرد تضحية طارئة تقدمها الغالبية السياسية المسيحية على مذبح الوطن: ست سنوات هي فترة زمنية طويلة، حرجة، لكنها كافية بالتأكيد لإبعاد المسيحيين خاصة، واللبنانيين عموما، عن طريق الانتحار الجماعي الذي يسلكونه حاليا. "التقاطع" المسيحي الذي أعلن بالأمس، هو بمثابة تنازل لأزعور ليس فقط عن منصب محرّم على العونيين والقواتيين، بل عن وعود لم تحترم باتخاذ الخطوة الاولى نحو ذاك الاصلاح المنشود.

لا يتوهم أحد أن هذا التفويض يعني تخلياً كاملاً عن السلطة من قبل تلك الغالبية الساحقة التي ترشح أزعور، لكن المؤكد انها ستسعى للتخلص من المسؤولية عن الازمة، وستكون بالتالي مضطرة الى تقديم أجوبتها الصريحة على سؤال الاصلاح الاقتصادي ثم السياسي الذي  يطرحه الرئيس المقبل للجمهورية الآتي بما يشبه الاجماع المسيحي، الذي لن يكون بامكان المسلمين ، والشيعة تحدّيه، من دون المخاطرة بتهديد أسس الفيدرالية الطائفية القائمة.

الجسم السياسي المسيحي الذي يولد الآن بخجل شديد، ويقدم أزعور بحذر شديد، لن يبدي المزيد من الزهد بالسلطة، لا سيما إذا ظل الشيعة على اعتقادهم أن التجربة العونية كانت ناجحة، وبالتالي يمكن ان تتكرر .