إيران التي تُريد إحياء الأموات

مهند الحاج علي
السبت   2023/06/10

في خطابه الأخير في الذكرى السنويّة الرابعة والثلاثين لرحيل مؤسس النظام، لخّص مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي التجربة الخمينية بـ٣ "تحولات كبرى، "أحدها على مستوى إيران، وآخر على مستوى الأمّة الإسلاميّة، وثالث على مستوى العالم". هذه "التحولات" وفقاً لخامنئي، تشمل الثورة في الداخل الإيراني، و"الصحوة الإسلامية" على مستوى "الأمة"، وإحياء "الروحانية والاهتمام الروحي على مستوى العالم".

هذا الخطاب يضع أسس رؤية خامنئي لدور ايران على هذه المستويات الثلاثة، رغم الفروق في السياسة الفعلية، والتي يختلط فيها التنافس السياسي (داخل النظام وبين أقطابه) والواقعية وبعض الحسابات الضيقة. لكن استراتيجياً، علينا النظر الى هذه الخريطة المختصرة، لما تحتويه من إشارات تُساعد على فهم التوجهات العامة.

على المستوى الداخلي، من المفهوم أن قيام النظام الإسلامي الحالي غير قابل للتفاوض، وهو ضيق في هوامشه، كما خبرنا في عمليات القمع الواسعة النطاق في الداخل الإيراني. أيُّ تعرض لشكل النظام ومؤسساته الدينية يعني حتماً رد فعل دموياً من الأمن والعسكر المرتبطين بالقيادة الدينية المتمثلة بخامنئي. وهذه النظرة للسياسة الداخلية، قائمة على تعزيز القدرات العسكرية المحلية وربطها بمستقبل البلاد، وتهميش قضايا أخرى مهمة أيضاً مثل الاقتصاد والوضع المالي وادارتهما. هذه قضايا قد تكون أساسية في الغرب، لكنها هامشية هنا. المهم هنا هو "الهوية الوطنية والثقة بالنفس"، وهذان ينجمان عن مواجهة مع الغرب، وكذلك بناء للقدرات العسكرية والاستراتيجية الإيرانية. العالم الخارجي يريد اسقاط ايران بأي طريقة، ولا هدف آخر له، وأي تنازلات على أي مستوى لن تؤدي سوى إلى خدمة ذلك.

ماذا يعني ذلك؟ إن التسويات الكبرى مستبعدة بالكامل.

على مستوى "الأمة"، الحديث عن تعزيز "الصحوة الإسلامية" لافت، لسببين. الأول هو أن المنطقة تتجه لانحسار التيارات الدينية (السنية تحديداً)، وبالتالي الحديث عن دور إيراني في تعزيز الصحوة ليس منفصلاً عن محاولة احيائها. بكلام آخر، التحالف الإيراني اليوم مع فروع من الاخوان المسلمين، يهدف الى "الحفاظ" على التحول الكبير الذي أنجزه الخميني. واللافت هنا أن المرشد الإيراني يتحدث بصراحة عن مركزية القضية الفلسطينية ودورها كنقطة تلاقي بين القوى الإسلامية المختلفة، بعيداً عن العناوين الطائفية. عملياً هنا بإمكاننا النظر الى مسألة التطبيع العربي مع النظام السوري، بصفتها محاولة لملمة ذيول الحرب على المستوى الطائفي، رغم أن هذا الأمر من الآثار غير المقصودة لدى الدول العربية المنخرطة في هذه العملية.

والمستوى الثاني، وتحديداً التركيز على تعزيز القوى الإسلامية، غير منفصل عن الثالث بالكامل، إذ أنه على ارتباط بتعزيز الروحانية على مستوى العالم بأسره. لكن ماذا يعني ذلك؟ الحديث بهذه اللهجة عن الدور الإيراني عام 1979 وما تلاها، يعني في ما يعنيه تصميماً ايرانياً على المواصلة، ليس فقط بإكمال النهج السابق، بل أيضاً بتصعيده وإعادة انتاج خطاب إسلامي جديد في المنطقة محوره فلسطيني. وهذا تطور نوعي له انعكاسات على المنطقة بأسره، وتحديداً على المشرق وفي قلبه لبنان حيث الجبهة مع إسرائيل باتت أكثر اهتزازاً من ذي قبل.

إنها الخمينية تظهر لاقتناص فرص ومساحات فراغ لم تكن تطل برأسها في حياة المؤسس، لكنها اليوم تعود لتعدنا بمزيد من عدم الاستقرار وإعادة احياء تيار خيل لنا موته سريرياً خلال السنوات الماضية.