أولويات غير لبنانية لـ"حزب الله"

مهند الحاج علي
الإثنين   2023/05/08

لا ينفصل الحديث اليوم عن الاستحقاق الرئاسي المقبل، عن موقع سلاح "حزب الله" ودوره بالمرحلة المقبلة، وهو أحد الأسئلة الأساسية المطروحة اليوم في لبنان، إلى جانب الإصلاحات المالية والاقتصادية وبناء الاقتصاد على أسس عادلة بعد سنوات من الإجحاف بحق الأكثر فقراً. وهذا السؤال يُفترض به أن يكون أكثر إلحاحاً، لكنه يبدو اليوم في ميزان القوى السياسي، في موقع متأخر جداً، بل قد لا يكون أساسياً.

وهذا نتيجة مسار بالإمكان ملاحظته ليس فقط في رصد مآلات خصوم "حزب الله"، بل كذلك في خطابه. ولو تتبعنا مسار الخطاب السياسي لتنظيم "حزب الله" منذ الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، لوجدنا انتقالاً من التركيز على تبرير مواجهة الاحتلال وميليشياته، لمجتمع محلي، الى توفير الحجج لإثبات حق لبنان في مزارع شبعا وغيرها، والحديث عن ضرورة "ردع الاحتلال"، ومن ثم ربط النزاع في سوريا بالأمن الوجودي للبنانيين، إلى أن وصلنا أخيراً إلى مرحلة توحيد الجبهات بين فلسطين والعراق واليمن وسوريا والجنوب اللبناني.

هذا القطار الطويل مضى في مراحل على مستويين: الأول هو تبرير وجود السلاح والحركة المؤدلجة ذات اللون الواحد وماهية دورهما، والثاني هو التحول في الإقليم لمصلحة إيران والتنظيمات الموالية لها.

على المستوى الأول، في تسعينات القرن الماضي كان التركيز على المقاومة ولبننة "حزب الله" وتقديمه كمشروع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي حتى زواله، وخضع التنظيم لتحديث علمه واستخدام الرموز اللبنانية (العلم الوطني تحديداً) في الخطاب السياسي واللقاءات العامة. رغم الوجود السوري حينها، كان من الضروري للتنظيم اثبات نفسه كقوة لبنانية. 

لكن بعد الاحتلال، كما كان متوقعاً، برز تحد جديد. كيف بالإمكان تبرير مقاومة الاحتلال بعد زواله؟ جاءت الإجابة على شكل الحديث عن ضرورة تحرير الأراضي المتبقية تحت الاحتلال وإطلاق بقية الأسرى، وتعرّف اللبنانيون حينها على "مزارع شبعا" وقرية الغجر. وصار العمل المسلح محصوراً في مزارع شبعا، باستثناء عملية تموز (يوليو) عام 2006 (وهدفها المُعلن كان تحرير بقية الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية).

في مشاركته الى جانب النظام في القتال ضد فصائل سورية معارضة، برر التنظيم عمله المسلح مجدداً في سياقين، الأول لبيئته المباشرة كونها دفاعاً عن المقدسات الدينية (مقام السيدة زينب)، وثانياً لعموم اللبنانيين بأنها وقف لتمدد حركات دينية متطرفة تهدف الى الهيمنة على المشرق بأسره. المعركة في سوريا كانت معبراً الى منطق سياسي جديد، إذ بات الردع أساسياً، في مواجهة إسرائيل، أو قوى متطرفة كتنظيمي "داعش" و"القاعدة" (جبهة النصرة حينها) وسط اتهامات لا دليلاً عليها، بدعم أميركي-اسرائيلي لهما.

اليوم، وبعد انتهاء جولات القتال الكبرى في سوريا، وغداة الانهيار الاقتصادي-المالي في لبنان وضعف مشروع الدولة وتعزيز القوات الحكومية فيه، لم يعد هناك مبرر على الإطلاق لأي من هذه الجهود السياسية. بات بالإمكان القول لمن يسأل عن الحاجة لسلاح الحزب في ظل وجود الدولة، "إبنوا دولة وجيشاً ومن ثم تعالوا لنتكلم"، وهذه عبارة وردت بأحد أشكالها على لسان الأمين العام حسن نصر الله. 

بات هناك ممر آخر لهذا المسار الملتوي للنقاش في سلاح الحزب، عنوانه بناء الدولة والخروج من الأزمة الحالية. حتى في حال الخروج من الأزمة الحالية، ووضع الدولة والجيش في مسارهما المطلوب، تطوّر النقاش حول سلاح التنظيم بشكل لا يسمح سوى بمعالجة سطحية أو ثانوية، بدءاً بفك الارتباط بسياسة وحدة المحاور. عملياً المطلب الأول هو ألّا يكون لبنان في حالة حرب تلقائياً لو اقتحم مستوطنون المسجد الأقصى، أو قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخلاء منازل في حي بالقدس الشرقية. وهذا مطلب متأخر قياساً على مطالب عام 2005 أو  2011-12.

لكن السؤال هنا معكوس بعض الشيء. بناء على ما سبق من تحولات، علينا أن نسأل إلى أين يأخذنا "حزب الله" بالمرحلة المقبلة كونه (وليس خصومه) في الغالب يُحدد المسار المطلوب. انتخاب رئيس حليف لـ"حزب الله" يعني تلقائياً التطبيع مع مبدأ وحدة الجبهات، وما يتضمنه ذلك من دور فلسطيني مسلح وسياسي على الأراضي اللبنانية. هذه المرحلة المقبلة علينا، ودونها فرامل لا يبدو لها أثر في المسار الحالي للسياسة اللبنانية.