"محور القدس" في ديارنا

مهند الحاج علي
السبت   2023/04/29
© Getty

وردت تحليلات كثيرة عن زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الى لبنان، وتحديداً زيارته بلدة مارون الراس الحدودية، وتفقده "حديقة إيران" والسياج الحدودي برفقة عضوي كتلة "الوفاء للمقاومة" حسن فضل الله وحسن عز الدين. قيل إن الزيارة كانت رداً على زيارة وزير خارجية إسرائيلي ايلي كوهين الى عشق آباد عاصمة تركمانستان المجاورة لإيران الأسبوع الماضي لافتتاح سفارة بلاده. كوهين كان صرح على موقع تويتر بأنه جاء "لافتتاح سفارة إسرائيلية على بعد 17 كيلومتراً من الحدود مع ايران... العلاقة مع تركمانستان تحظى بأهمية أمنية وسياسية، والزيارة ستُعزز موقع دولة إسرائيل في المنطقة". بالتأكيد افتتاح هذه السفارة والادلاء بمثل هذا التصريح كان مستفزاً للجانب الإيراني، ولكنه يندرج أيضاً في سياق سياسة إسرائيلية في دول الجوار الإيراني. 

تعزيز العلاقة مع دول الجوار ومحاولة رفع مستوى التوتر مع ايران على حدودها، جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية منذ سنوات عديدة، وليس جديداً، حتى لو كان تطوره الأخير افتتاح سفارة جديدة لإسرائيل على بعد 17 كيلومتراً. في نهاية الأمر، إسرائيل تشن غارات على مواقع إيرانية في سوريا، وتستخدم مسيّرات وخلايا استخباراتية لاستهداف مراكز حساسة في الداخل الإيراني كذلك.

هذا ليس جديداً. زيارة عبد اللهيان إلى جنوب لبنان كانت أكثر أهمية واستراتيجية من مجرد رد على افتتاح سفارة إسرائيلية في تركمانستان لأنها تأتي في سياق تعزيز تنسيق بين فصائل المحور وبعد أسابيع قليلة على عملية اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان غداة انتهاكات في مسجد الأقصى. لهذا كان لافتاً ورود تصريحين على لسان عبد اللهيان، الأول أن "المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان تعيشان في أقوى وأفضل حالتهما، وهذا ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال لقائه به يوم أمس، ومن الجانب الآخر، فإن الكيان الصهيوني يعيش في أسوأ حالاته، ويعيش في أزمات متراكمة سياسية واجتماعية وأمنية". في التصريح الأول إشارة إلى قراءة ايرانية لتبدل موازين القوى لمصلحتها بعد سنوات من الصمت والقبول بموقع متأخر. ومن هنا طرح النقطة الثانية، الأكثر أهمية، ومفادها أن "منطقتنا دخلت في مرحلة جديدة من التعاون الجماعي، والمستقبل بالنسبة لدول المنطقة هو مستقبل مشرق، ومن دون أدنى شك، فإن جميع التطورات الإيجابية في المنطقة إزاء الإجراءات الصهيونية ستؤدي إلى عزلة وانهيار هذا الكيان".

عملياً، دشن وزير خارجية ايران من على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، استراتيجية دفاعية جديدة تربط مناطق مختلفة في الإقليم، ولها عواقب على الأمن اللبناني، ثم عاد وصرح لاحقاً من الخارجية اللبنانية بضرورة انتخاب رئيس بعيداً عن التدخلات الخارجية، وكأن الرجل مختص بوضع السياسات الدفاعية والخارجية اللبنانية، ولكنه مع استقلال القرار اللبناني في الاستحقاقات الدستورية.

وكلام عبد اللهيان عن تماسك وروابط المحور الجديد الذي يُسمى اليوم "محور القدس"، يتردد كذلك في قطاع غزة على ألسنة مسؤولي حركة "حماس". مثلاً، تحدث رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار عن حماية القدس بمواجهة إقليمية مع إسرائيل، وركز في كلامه على عودة سورية الى الجامعة العربية، وفضل ايران على الوضع القائم حالياً في القطاع. واللافت في خطاب مهرجان "الضفة درع القدس" منتصف الشهر الجاري أن السنوار أعطى المجال بعده للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ليتحدث عن أهمية القضية الفلسطينية.

لإيران اليوم محور أكثر ترابطاً في ما بينه، وهو خط الدفاع الأول عن ايران ومصالحها، لهذا السبب جاء عبد اللهيان، وسنراه مرات كثيرة يتفقد إنجازات بلاده وقدراتها على حدود لم يعد للبنان وحكومته وسلطاته القدرة على ادارتها والتحكم بمصيرها.