مبادرة الصين:حيادية موالية لروسيا

بسام مقداد
الثلاثاء   2023/03/07

مقترحات الصين التي نشرتها  الخارجية الصينية على موقعها الرسمي في السنوية الأولى للحرب الروسية على أوكرانيا ـــ 24 شباط/فبراير 2023، لا يزال النقاش حول بنودها يحتل مكاناً بارزاً في وسائل الإعلام. وعلى  مدى الأيام التي تلت إعلان هذه البنود برزت اسئلة كثيرة بشأنها: ما حاجة الصين للمبادرة؛ مصالح من تخدم غير مصالحها؛ لماذا لا تتضمن كلمة "حرب"، وهي  التي تعلن نفسها مبادرة للخروج من الحرب؛ كيف تقبلها الغرب وروسيا وأوكرانيا؛ لماذا الغموض والعمومية في جميع البنود، وسواها من الأسئلة. وقد حدد جميع الأطراف المعنيين موقفهم منها، لكن، وعلى الرغم من الإختلافات المبدئية في المواقف، إلا أنها أجمعت على أن المبادرة ليست خطة سلام محددة يمكن إعتمادها أساساً للتقدم نحو السلام. 

تضمنت المبادرة الصينية 12 مقترحاً، إعتبرتها وكالة تاس "وثيقة عرض مواقف (الصين) من التسوية السياسية للأزمة في أوكرانيا"، وتوقفت عند أربعة منها رأت فيها انها الرئيسية. أوجزت كل ما رأته مهماً في الوثيقة الصينية تحت عناوين:"المفاوضات السلمية ووقف إطلاق التار"، "منع الحرب النووية"، "الأزمة الإنسانية وتبادل الأسرى" و"الإقتصاد العالمي ،إعادة الإعمار بعد الحرب".

في السياق الإيجابي عينه من المبادرة الصينية والدعم الروسي لها، نقل موقع Lenta الروسي الموالي عن النائب الأول لرئيس لجنة العلاقات الدولية في البرلمان الروسي (الدوما) ألكسي تشيبا قوله عن المبادرة بأنها "وثيقة جد شاملة"  تتوافق مع جميع قواعد القانون الدولي المعروفة، والتي يجب أن تضمنها الحقوق والالتزامات التي أعلنتها الأمم المتحدة. ورأى من الصعب على أي كان تجاوز رأي الصين في فرص تسوية الصراع الروسي الأوكراني. واعتبر أن المطالب الصينية تنبع من ضمانات الأمن التي أعلنتها روسيا في نهاية العام 2021 (صاغت روسيا حينها وثيقتين حول ضمانات الأمن الأوروبي، وتقدمت بهما إلى الولايات المتحدة للتوقيع عليها من دون أوروبا). 

ورأى تشيبا أن الصين تقدمت بمبادرتها لأنها تخاف على أمنها، وهي تدرك أن الوضع قد تعقد جداً، وكل ما كان يهدد أمن روسيا قد يهدد اليوم أمن الصين في صراع تايوان. 

مقابل هذه الإيجابية والدعم الروسي لمبادرة الصين والترحيب الأوكراني الحذر بالمقترحات الصينية، واجهها الغرب بالتشكيك بغاياتها، ورفض إعتبارها خطة لتسوية الصراع الروسي الأوكراني. ووصفها موقع الخدمة الروسية في "الحرة" الأميركية بأنها "مجموعة عبارات موجهة للغرب"، وإعتبر أن "خطة بكين تحتاجها هي نفسها". ويقول بأن الغرب وأوكرانيا واجهوا بالكثير من الشكوك الخطة الصينية لوقف إطلاق النار بين  روسيا وأوكرانيا. وطوال سنة من الحرب كانت بكين تحاول تقديم نفسها طرفاً محايداً، وترفض في الوقت عينه إدانة الغزو الروسي. ومعظم الخبراء يجمع على أنه من المستبعد أن تتمكن الصين حتى من توفير وقفٍ هشٍ لوقف إطلاق النار في ظل علاقاتها المتنامية مع موسكو. 

ينقل الموقع عن خبير من سنغافورة قوله في التعليق على المقترحات الصينية بأن بكين تريد أن تجرب دور صانع السلام. لكن، لكي تُؤخذ هذه المقترحات على محمل الجد، على بكين أن تخبر الروس بما لا يريدون سماعه، وليس من دليل يثبت أنها أقدمت يوماً ما، لا وراء الكواليس ولا أمام شاشات التلفزة، على نصح روسيا بالتراجع.

يقول الموقع بأن تنشيط العلاقات بين روسيا والصين كان العالم شاهداً عليه في 23 فبراير/شباط قبل يوم واحد من نشر المقترحات الصينية، وذلك حين زار موسكو كبير دبلوماسيي الصين وانغ يي (وزير الخارجية حتى وقت  قريب). وفي اللقاء معه رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ "الآفاق الجديدة" للعلاقات بين الدولتين، مشيرًا إلى زيارة الزعيم الصيني شي جين إلى روسيا هذا الربيع. 

ومن جانب آخر، يرى الموقع أن التعابير المستخدمة في وثيقة الخارجية الصينية بدت موجهة إلى الغرب أكثر مما إلى روسيا. وهذه هي اللغة التي كانت تستخدمها الخارجية في الماضي لتحديد ما تراه بكين على أنه تدخل واشنطن في شؤون الدول الأخرى و"التوسع غير المبرر" لحلف شمال الأطلسي. لكن روسيا، وعلى لسان المتحدث بإسم الكرملين، رأت أن "خطة السلام الصينية" تستحق الإهتمام. إلا أنه أضاف بان الكرملين، مع ذلك، لا يرى اليوم أي ظروف لعودة الوضع إلى المسار السلمي.

يتوقف الموقع عند رأي وزير الخارجية الأوكراني الذي يقول أنه، بعد الإطلاع على الوثيقة الصينية"، لا يوافق "على الأقل" مع البند المتعلق برفع العقوبات عن روسيا. لكنه يقول بأنها مثيرة للإهتمام ويجب دراستها  "من أولها حتى آخرها".  

ويرى أن مستشار رئيس ديوان الرئاسة الأوكرانية كان أكثر حدة في تغريدة عن الوثيقة فيها: "إذا كنت تطمح لدور لاعب عالمي، لا تقترح خطة غير واقعية، لا تراهن على معتدٍ خرق القانون الدولي ويخسر الحرب". ويخاطب الصيني بالقول أن هذا "ليس بعد نظر"... و"نافذة الفرص لن تبقى مشرعة للأبد". 

موقع moscowtimes الإلكتروني والملكية الهولندية نشر مطلع الجاري نصاً بعنوان "ما العمل ب"خطة السلام" الصينية لأوكرانيا". يقول بأن الصين "شريك موسكو الإستراتيجي"  تقدمت بمبادرة مدهشة بإصدارها وثيقة من 12 بنداً تعرض فيها موقفها من وقف إطلاق النار في أوكرانيا. ويرى أن دوافع الصين لذلك ليست بسيطة، حيث تحاول دق إسفين بين الولايت المتحدة وأوروبا اللتين كانتا متشككتين بالخطة. وإذ تلعب دور صانع سلام، تسعى بكين إلى تلميع صورتها في عيون دول الجنوب، والتي أظهر التصويت في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي بأنها لا تزال محايدة حيال الحرب الروسية. 

ويقول الموقع أن وقف الحرب يستجيب لمصالحها، ويتساءل "ما العمل بمقترح الصين؟" مع وجود مشكلة الثقة بها. فهي تحاول، منذ شن الحرب الروسية على أوكرانيا، أن تتخذ موقفاً مستحيلاً، حيث تعلن عن حياديتها، وفي الوقت عينه ترفض إدانة الغزو الروسي، وتكرر المعلومات الروسية المزيفة، وتوسع تجارتها مع موسكو التي تقوم بشكل رئيسي على النفط والغاز بأسعار مخفضة. وفي الوقت عينه تلتزم الصين الحذر كي لا تتخطى حدود العقوبات الغربية، حيث أوقفت بعض الصفقات المالية لمصارف صينية و"المصرف الآسيوي لإستثمارت البنية التحتية" في مشاريع طاقة روسية. ويرى أن هذا الموقف "المستحيل" يمكن تسميته "الحيادية الموالية لروسيا".  

يذكّر الموقع بتأكيدات المسؤولين الأميركيين الأسبوع الماضي أن الصين تبحث في إمكانية تقديم مساعدة عسكرية لروسيا. هذا على الرغم من أن حرب روسيا كبدت الصين خسائر إقتصادية وتشويه صورتها. فغزو روسيا قوض المبادئ الأساسية لسياسة بكين الخارجية (وإن كانت تعتمدها إنتقائياً) في إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. أما تاثير الحرب على الإقتصاد العالمي فقد كلف الصين غالياً، حيث أن ثلث دين الدول النامية صيني، ويرفع التأثير الإقتصادي للحرب من مخاطر الإفلاس، مما يعمق مشاكل الدين الصيني. إضافة إلى ذلك، المخاوف من التصعيد في الحرب وإستخدام روسيا المحتمل للسلاح النووي التكتيكي، تساعد في تفسير رغبة الصين في إنهاء الحرب وإنقاذ بوتين من الهزيمة الشاملة. 

يعود الموقع إلى الوثيقة الصينية نفسها ببنودها الإثني عشرة، ويرى انها ليست سوى كليشهات رخيصة بدءاً من "إحترام سيادة جميع الدول" وتكرار تعويذة "التخلي عن عقلية الحرب الباردة" إلى الدعوة لرفع العقوبات عن روسيا.