نتنياهو "الجديد"

مهند الحاج علي
الجمعة   2023/03/31

في منطقتنا، حقق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو سُمعة رجل عنصري ومتطرف، في حين تابع صعوده في الداخل الإسرائيلي كقائد سياسي مُحنّك في الأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية. نخب سياسية ومالية في الدول الحليفة لإسرائيل في الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، بنت علاقات شخصية ومتينة مع نتنياهو، ورسمت صورة له على أساس السياسي الناجح والحذر من الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبة.

لكن خصوم نتنياهو وأصدقاءه على حد سواء اليوم، يتحدثون عن نسخة جديدة من الرجل. لم يعد ذلك الحذر، بل تداخلت حساباته الشخصية الضيقة مع خياراته السياسية، حتى أضحى مؤخراً عبئاً على الدولة العبرية ومستقبلها. المحرك الظاهر في هذا التحول هو رغبة نتنياهو في تجنب مصير مماثل لرئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت أو الرئيس الإسرائيلي السابق موشي كتساف، أي السجن لفترة طويلة، كنتيجة للتحقيقات الثلاثة بحق رئيس الوزراء الاسرائيلي، وجميعها حين كان في منصب حكومي. لتجنب هذا المصير المحتوم (على ما يبدو)، يريد نتنياهو تحجيم النظام القضائي. لكنه ليس وحده وراء هذا المشروع، بل معه آخرون مثل وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمال بتسلئيل سموتريتش اللذين يريان بإضعاف النظام القضائي، فُرصة سانحة لتحول جذري تُتيح تهجيراً للفلسطينيين ومن ضمنهم من يحمل الجنسية الإسرائيلية. ونتنياهو الجديد صنيعة مزيج من رغبته في تجنّب التحقيقات القضائية، وابتزاز شركائه اليمينيين في الائتلاف، وكذلك تأثير زوجته سارة وابنه يائير الذي يتهم واشنطن بتمويل التظاهرات ضد والده.

لكثيرين في إسرائيل وخارجها من المؤيدين، هذه أحلام انتحارية تُجانب كل أسس الترويج للمشروع الاسرائيلي في الخارج، على أساس أنها دولة ديموقراطية تعددية فيها عرب ويهود من مشارب سياسية مختلفة، علاوة على حريات ومجتمع مثلي وعابر للجنس يتمتع بحقوقه تماماً كما في الغرب. مشروع ائتلاف نتنياهو يرغب في نسف كل ذلك، والعقبة الأهم أمامه هي السلطة القضائية، وهي أساسية في دولة برلمانية، ومن دونها تكون سلطة الحكومة مطلقة.

لهذا ربما خرج عشرات الآلاف في تظاهرات متواصلة، وامتنعت عناصر الاحتياط عن الخدمة بما ينعكس على جهوزية الجيش الإسرائيلي وقدرته على تنفيذ ضربات في الداخل السوري، ومن المحتمل أن يُضعف ذلك القدرة على مواصلة حماية بعض المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.

صحيح أن نتنياهو قرر تأجيل المصادقة النهائية على التعديلات حتى الدورة البرلمانية المقبلة بعد احتفالات عيد الفصح اليهودي منتصف نيسان (أبريل) المقبل، لكن من غير الواضح كيف بإمكانه تحقيق توافق واسع في الآراء رغم الانقسام الحاصل حوله وفقدان أي ثقة في كلامه. إلا أن ضغوط ائتلافه وضرورة بقائه في السلطة لتجنب السجن، قوتا دفع ستُواصلان محاولة تمرير التعديلات بغض النظر عن تداعياتها في الأمن والسياسة وكذلك في المجتمع نفسه.

يبقى السؤال الأهم لنا في المنطقة اليوم هو هل يُحاول نتنياهو وائتلافه الفرار من الأسئلة السياسية الصعبة بالداخل عبر بوابة الصراع الخارجي؟ هذا الاحتمال قائم، لكنه ضعيف سيما لو أخذنا في الاعتبار  عزل نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت بعد تحذيره من انعكاسات الصراع الحالي على الجيش وقدراته الدفاعية. كما من المنطقي أن يحصل مثل هذا التصعيد بعد تمرير التعديلات، وليس قبلها، لأن من شأن أي مغامرة عسكرية تأجيل مثل هذه النزاعات الداخلية لأمد غير محسوب. وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يرغب في مثل هذا الاستغلال، ستكون الفائدة الأساسية له بعد التعديلات، لاعادة بعض اللحمة للداخل، رغم أن ذلك لن يكون بالسهولة ذاتها.

هذه المعضلة التي يجد "نتنياهو الجديد" نفسه أمامها خلقت الأزمة الداخلية الأبرز في تاريخ إسرائيل، ولا بد أن أي نهاية سعيدة لرئيس الوزراء الحالي ستشق طريقاً لسياسة ومجتمع مختلفين في الداخل الإسرائيلي.