"حزب الله" في دولة المومياء

مهند الحاج علي
الجمعة   2023/03/17

منذ بداية احتجاجات 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، قدم "حزب الله" نفسه درعاً واقياً لمنظومة الحكم، وسيفاً مسلطاً على خصومها. في تلك اللحظة، كان لدى التنظيم غالبية من حلفائه في البرلمان، ورئيس في بعبدا على ارتباط بحلف وثيق معه أيضاً، ولم تكن الحكومة بتركيبتها بعيدة عنه كذلك. اختار من اللحظة الأولى قمع الانتفاضة وتخوينها دون أن يُقدم بديلاً منطقياً في السياسة.

اليوم، لا يملك التنظيم غالبية في البرلمان، بل هو مُعلّق بين مختلف القوى السياسية، علاوة على تشكيلة من المستقلين. ولبنان بأسره بات في السنة الرابعة على التوالي بأزمة مالية واقتصادية لا قعر لها، ولا قطاع مصرفياً أو حتى استراتيجية حكومية للخروج من الأزمة، بل شلل يُصيب كل مناحي الحياة نتيجة انهيار سعر الصرف. في الأمن، يأكل السوس والفراغ أجهزة الدولة، فيما بات الجيش والشرطة رهن المساعدات الخارجية، أو بكلام آخر الجنود ورجال الأمن يتقاضون رواتب من دولة أجنبية، في حين باتت المهمة الأساسية لمن يُدير المؤسسات الحكومة، تتمثل بالحصول على منح خارجية لإبقائها على قيد الحياة. التحديات الأمنية تزداد حدة كذلك.

في المقابل، لم يجد التنظيم سوى طرح مرشحه للانتخابات الرئاسية، أي النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، والعمل بجد على جمع غالبية له، رغم ما يُمثله هذا الخيار من تصعيد على المستوى السياسي. ذاك أن ترشيح فرنجية يُطيح بأحد أبرز أسس العمل السياسي لدى "حزب الله" منذ عام 2006، وتحديداً الاعتماد على تفاهم مار مخايل مع "التيار الوطني الحر" لتوفيره غطاء مسيحياً للتنظيم، بما يُجنبه اثارة خلاف مسيحي-مسلم، ليُضاف الى الحساسيات السنية-الشيعية المتصاعدة منذ غزو العراق عام 2003ـ، واغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005.

من شأن البقاء على ترشيح فرنجية، ومحاولة جمع عدد أكبر من النواب السنة لانتخابه، أن يُؤدي للدفع باتجاه تبلور موقف مقابل يستمد شرعيته من غياب أي دعم مسيحي قوي لهذا المرشح. إضافة الى الانهيار الحاصل، يخلق هذا الحراك السياسي ظروفاً أسوأ على المستوى الداخلي، تزيد من وطأة الانهيار والمتواصل، وتُؤثر في المجتمع بأسره ومن ضمنه بيئة "حزب الله" وحلفائه.

هل يتجه التنظيم الى تنازلات وتفاهمات مؤلمة من أجل تدارك الوضع، أو يُواصل ترشيح الشخص ذاته، ويدعو الآخرين لحوار حول اسم جديد؟ الواضح أن التنظيم يختار حالياً توجيه اللوم بالتعطيل للطرف المقابل، والتركيز على حقيقة دعمه مرشحاً وكأنه انجاز يفتح كوة في جدار الأزمة. هذا خياره السياسي الوحيد الآن.

لكن في موازاة ذلك، يبرز التهديد الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية مجدداً. وهذا التهديد هو نتيجة الوضع الداخلي، أكان لجهة النزاع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وخصومه، أو لناحية المواجهة بين سلطات الاحتلال والفلسطينيين في الضفة الغربية. التصعيد مع لبنان قد يُمثل استراتيجية جيدة للهروب للأمام للجانب الاسرائيلي.

علاوة على ذلك، هناك مخاوف غربية من أن انتفاء القدرة الإيرانية على ضرب دول الخليج نتيجة التقارب معها، وانحسار الحرب في اليمن، سيعني حصر احتمالات ردود طهران على الاعتداءات الإسرائيلية والضغط الأميركي، بجنوب لبنان. هل تلجأ ايران الى تحريك جبهة جنوب لبنان في حال قرارها الرد على أي اعتداءات على أراضيها؟

وفقاً لهذا المنطق، في حال تطور مسار العلاقات الإيرانية-العربية، لا تبقى ساحة ردود أو تمرير رسائل إلى الولايات المتحدة، سوى في لبنان. وهذا تحدٍ أمام "حزب الله" أولاً. لكن كيف يرد التنظيم وقد أوصد أبواب السياسة ولا يفتح أياً منها؟ هو غير قادر على إطلاق عجلة التعافي من خلال تسوية سياسية، بل يُفضل الثبات على الخيار الآمن في الرئاسة، حتى لو كان يعني ذلك إطالة أمد المعاناة وتوسيع رقعة تفكك الدولة ومؤسساتها، وتحولها الى مومياء جوفاء غير قادرة على العودة للحياة.