الخطر الأفريقي!

شادي لويس
الأربعاء   2023/03/01
حارس معبد فرعوني في أبو سمبل - مصر (غيتي)
بضعة أيام تفصل بين الحدثين. في القاهرة، ألغيت حفلة للكوميدي الأميركي الأسود كيفن هارت، على خلفية حملة ضده في شبكات التواصل الاجتماعي، تلصق به وصمة "الأفروسنتريزم" الفضفاضة. وفي تونس، أصدر الرئيس بياناً بشأن مؤامرة معقودة منذ مطلع القرن، واسطتها المهاجرون الأفارقة، وهدفها تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد. ليس التمييز ضد أصحاب البشرة السوداء بجديد على دول شمال إفريقيا، سواء ضد أبناء البلاد أو ضد الوافدين، إلا تلك العنصرية واسعة الانتشار والموسومة بقدر من التعالي وتأخذ أبعاداً باراناوية، محورها الخوف العصابي هذه المرة.

ففي شأن الحفلة الملغاة، ثمة مخطط أكبر من مجرد قناعات نجم هوليودي. بحسب نظرية المؤامرة، يسعى أنصار المركزية الأفريقية للاستيلاء على التراث الحضاري للمصريين، بنسبة الفراعنة إلى إفريقيا السوداء، وربما لاحقاً طرد المصريين من بلادهم. أما الرئيس التونسي، فلا يعيد الخطاب المكرر بشأن "أزمة" أو"مشكلة" الهجرة غير الشرعية، فهؤلاء المهاجرون لا يمثلون في بيانه عبئاً ثقيلاً على موارد البلاد ولا مزاحمة لأهلها في الوظائف المتدنية، بل دلالة مؤامرة وأداة لها، معلوم توقيت انطلاقها، أما مسعاها ففصل تونس عن هويتها، طعناً في عروبتها وخصماً من إسلامها أيضاً. يترك الرئيس جمهوره بلا تعيين لجهة المؤامرة ومن يقف وراءها، لكنه يضع أمامنا بوضوح "جحافل" المهاجرين الأفارقة كتمثيل للخطر الداهم والمصيري، والواجب التصدي له.

قد يظهر في الربط بين الحدثين، إفراط في التأويل ومبالغة في عقد الصلات. لكن صفحات "القومية المصرية" و"الكميتية" في صفحات التواصل الاجتماعي، وهي التي تحظى بمتابعة عشرات الآلاف، تحتفي بالبيان الرئاسي التونسي بوصفه فضحاً لمؤامرة "المركزية الأفريقية"، وتنادي باستفاقة مماثلة في مصر من أجل التصدي للتهديد المحدق. الفوارق بين الحدثين وسياقهما، واضحة، لا تحتاج إلى تفصيل، إلا أن ما يربطهما هو إجماع على خطر ماثل، قد يأتي من الولايات المتحدة أو من الحدود الجنوبية، في صورة حفلة كوميدية أو مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين، وقد يتعلق بالتراث الثقافي أو التاريخ أو يمكن له أن يحيق بالهوية والديموغرافيا. لكن، في النهاية، تجتمع في تلك التنويعات من المخاطر، سمة موحدة وطاغية، هي البشرة سوداء.

بالتوازي مع البيان الرئاسي، تُشن في تونس حملة أمنية تطاول نشطاء سياسيين وإعلاميين وحقوقيين ونقابيين. التصدي لفاشية خطاب الرئيس وعنصريته وللاعتداءات التي طاولت أصحاب البشرة السوداء، قد يكون إجهاداً متعمداً للمعارضة وتشتيتاً لها، بل ووضعها في مواجهة مباشرة مع قطاعات من الجمهور متماهية مع خطاب المؤامرة السوداء. بشكل متزايد، يميل النظام التونسي نحو الحكم السلطوي، وفي تحويله الأفريقي إلى "إنسان حرام" منزوع الحماية، فأنه قد يمهد الطريق لتطبيع مجتمعي مع فكرة إقصاء جماعات بعينها بكاملها من مظلة الحقوق. وفي مصر، تشجع السلطة ضمناً نوعاً من "فرعونية جديدة" في الحقول الثقافية، كانت قائمة دائماً، لكن يجري التشديد عليها مؤخراً بشكل سياسي. تلك الإزاحة الهوياتية تسمح بالسحب من رصيد معارضي النظام، أصحاب التوجهات الإسلامية في المقام الأول، والعروبية ثانياً، وفي الوقت نفسه تعزز مضمون بروباغندا العظَمة الوطنية.

بشكل أكثر عمومية، تستند كل أنساق الانتماء الهوياتي على آليات الفرز والإقصاء، والمواجهة بين الأنا والآخر. وإن كانت هوياتنا الوطنية المعاصرة، في عهود ما بعد الاستعمار، تشكلت في جزء منها كردّ فعل على الهيمنة الغربية ونتاج بعض من أصولية تعادي الحداثة بوصفها مشروع الآخر الأبيض، فإن تحويل بوصلة الخطر نحو الأسود، يظهر كحلٍّ مناسب لمجتمعات مأزومة بعمق، وبالأخص حين يكون الآخر في هذه الحالة مستضعفاً إلى أقصى درجات الاستضعاف، ومعاداته تكون بلا أثمان ولا تبعات، وبهذا تضمن شعوراً متوهماً بالتحقق والنصر.