فخامة رئيس الجمهورية ميشال حايك

جهاد بزي
الثلاثاء   2023/01/03
شيءٌ ما، أكبر مني، قادني إلى مشاهدة توقعات ميشال حايك الكاملة هذا العام، لأول مرة في حياتي.

تقاطع جوبيتر المرتقب مع برجي، العقرب، قرر أن يلقنني درساً في معنى عدم إيماني بالفلكي الأكثر رصانة وشهرة بين زملائه وزميلاته المشعوذين الطيبين. درس قاسٍ في الخسارة بسبب عدم متابعته عاماً بعد عام، مذ بدأ يبرز نجمه على شاشات التلفزيون اللبنانية المحلية.
الاستماع إليه تجربة كاملة في اختبار الصبر على تحديات عديدة أهمها أن حايك يسهب في كلام كثير (كثير!) على وزن جملة موسيقية واحدة، تتحول، بعد رابع أو خامس مرة من الانصات، إلى تلك العبارة اليتيمة من أغنية تتكرر في الذهن من دون انقطاع. ضوضاء كريهة لكن لا بد منها للاستفادة من هذا البحر في العلوم.

على الجملة الموسيقية نفسها، يمدح حايك معظم الأنظمة العربية، ومن ضمنها النظام السوري، ويتوقع لها نجاحات في أمور معظمها مبهم. وفي تصاعد توقعاته من مديح إلى أكثر مدحاً، يتحول من عالمٍ بالغيب إلى درويش يبتهل لأن توفق السماء شخصاً (أو نظاماً) عزيزاً عليه. أن يجعل الله هذا الشخص (أو النظام) في أعلى المراتب مثلاً، يقوي يده الحديدية في تحطيم مؤامرة لا يفصح حايك ما هي بالتحديد، على مبدأ أن ليس كل ما يعرف يقال، لكنه يراها آتية على شكل طائرة أو مركب صيد.. يتحول فجأة إلى التضرع: يفتح الله عليه (لا فرق بين أمير وقائد جيش ورئيس دولة عند حايك هنا) من أوسع أبوابه. يعطيه من كل فج وغميق.. يرفع مراتبه.. يهزم أعداءه..

ولأن حايك تأتيه التنبؤات على شكل رؤى، فمن المستحيل توقع التنبوء التالي بعد الكلام الغامض الذي يقوله عن سمير جعجع. ننتظر أن يصل بعد سمير إلى ستريدا جعجع مباشرة، أو على الاقل جبران باسيل، بما أن الشيء بالشيء يذكر، لكنه يقفز إلى نوال الزغبي. كذلك، يقفز من البطريرك بشارة الراعي إلى السوبر ستار راغب علامة. من هيفا وهبي إلى شيخ عقل الموحدين الدروز. كيف؟ أين المنطق في هذا؟ هذا سرّه. أعني، إذا اتفق اثنان يشاهدانه على أن كل ما يقوله لا يعدو كونه ترّهات مجرّدة تشبه خانات الأسرار في الصفحات الثانية من الصحف اللبنانية، فإن الاستعراض الذي يقدمه رائع.. بل خلّاب.

الرجل لديه لائحة معدة مسبقاً تحوي أسماء أشخاص، سفراء ونواب ووزراء وإعلاميين، يذكرهم كما لو أنه يكرّمهم، لأنه يعلم أنه إذ يذكرهم بالأسماء فإنه يوصلهم إلى جمهوريه الهائلين، اللبناني والعربي. فوق هذا،ـ فهو أشبه بساحر في سيرك. يقوم بمعجزات. تقوده توقعاته في كل اتجاهات الكوكب، وفي كل ميادينه. سياسة؟ موجود. رياضة؟ موجود؟ انفجارات؟ فيزياء وكيمياء واختراعات. موجود. كاظم الساهر؟ حتماً..

هو الذي يعلم بكل الأشياء تقريباً، لكنه يتواضع إذ لا يحدد زمناً. رؤاه لها حرية التحقق متى تريد، لكنها في الغالب ستتحقق. لا بأس أنها عبارات عامة مغرقة في ضبابيتها. المهم أنه يمكن اسقاط أي حدث عليها. والخلاصات في معظمها إيجابية. فبينما تتمنى ملكة الجمال التقليدية، الأشد تقليديةً في الأذهان، السلام العالمي (ومنع الاحتباس الحراري مؤخراً)، يتوقع ميشال حايك، أو يتمنى بالأحرى، الايجابيات بشكل عام، لقائد الجيش جوزف عون، لأمين عام حزب الله حسن نصر الله، لجيشيهما معاً.. لكن هذه التمنيات - التوقعات، تتحول إلى خليط من سذاجة واستغلال لطيبة الناس، إذ يصف رياض سلامة بالنجم، ويتجنب انتقاد حجز ودائع الناس باللعب على الكلام. وباللعب نفسه على الكلام يقول إن من انفجار المرفأ سينفجر لبنان جديد (كله، لمن يعلم، أغانٍ وعناقيد)..

يعلم ميشال حايك أن الناس تترقبه من عام إلى آخر. وبما أنه يبيعهم كلاماً بكلام، فهو يجعلهم يتأملون خيراً. يقدم جسده أفيوناً للشعوب، اللبنانيين منهم على أقل تقدير. وبغض النظر عن علاقاته الشخصية، النفعية، التي تدفعه إلى توزيع مدائحه يساراً ويميناً، فهو تائه بين كونه منجماً أو "لايف كوتش"، أو أنه ربما خائف من هؤلاء الصاعدين الجدد الذين ينافسونه على جذب الجماهير بالمبالغة في الترهات (نعم، خالد غطاس نموذجاً). لذا، فقد بدأ لقاءه مع مقدمة البرنامج المبتسمة باستسلام مسبق بالإعلان إنه، (هذا ما قاله حرفياً) يرى في البرنامج الكوني فتحة مناسبة للمواهب والطاقات، وكل الذبذبات والاشارات التي التقطها مرتبطة بقوى المواهب والقدرات وطرق تفعيلها. ماذا يقصد؟ لم تسأله محاورته، ولا نحن استطعنا التشكيك. من نحن حتى نشكك في اطلاعه على البرنامج الكوني.

الظن إثم سلبي هنا. كل ما يريده ميشال بث روح التفاؤل والايجابية في جمهوره العريض. لكنها الموسيقى التي يتحدث بها كأنه يغني، تجعل منه أقرب إلى شاعر زجل. ليس زجالاً مع ذلك، فقد فاته القطار ولم تأته موهبة الشعر والغناء. ولن يصير زجّالاً بعد هذا العمر من الابحار بين النجوم. ليس له إلا أن يصير رئيس جمهورية. لماذا؟ حسناً..

إذا أجري استفتاء الآن، سيكون ميشال حايك الوحيد الذي يثق معظم اللبنانيين بما يقوله، بغض النظر عن طوائفهم وانتماءاتهم وعصبياتهم. سيفوز على جبران باسيل وسمير جعجع وجوزف عون وزياد بارود وميشال معوض وعصام خليفة (وشخص مجهول من آل إدّه) ولبنان جديد مجتمعين. كلمة ميشال حايك لا تصير اثنتين عند اللبنانيين، فلنعترف. ثم أنه لا يخاصم أحداً، إن في الداخل إو في الخارج. يحب الأنظمة وتحبه، ويحب الزعماء ويحبونه، والأغنياء يحبونه، والمؤمنون بالضرب بالرمل، ويتبعه قراء الفناجين. حتى هاري بوتر يرى فيه مثله الأعلى. واللبنانيون قدريون ولم يبق لهم بعد كل ما صار فيهم إلا الأبراج والتطير.. وهو إضافة إلى أنه شبه مشعوذ، على درجة واحدة من المعرفة المطلقة في الاقتصاد والسياسة والفن والاجتماع والعلوم برمتها. لا يعرف فحسب، بل أسوأ، تأتيه المعرفة على شكل ومضات وخيالات ورؤى. ومضة عن الفنانة أصالة، تلحقها أخرى عن انتصار المصرف المركزي السوري على أعدائه. ثم أنه جعل حزب الله مفاجأة السهرة.. ختامها. وخصصه بتوقعات منفصلة لم نفهم منها شيئاً بالطبع. لكن مطلق شخص يستطيع توقع ما قد يفعله حزب الله على بعد يوم من رأس السنة، أو يتنبأ استراتيجيا الحزب بعد شهر، أو عقد، أو قرن من الآن، يستحق لا أقل من أن يكون رئيساً للجمهورية.

ميشال حايك يعلم أنه الرئيس الأفضل للبنان. جمهورية كهذه تستحق رئيساً كهذا. على الأرجح أنه توقع ذلك، بغض النظر إذا كان مارونياً ام لا. توقع أنه سيصير رئيساً، لكنه لا يريد أن يحرق أوراقه. لن يدع جبران باسيل يغلبه. سيصمت إلى أن يحين الموعد. وفي السنة المقبلة سيطل علينا ليتوقع لنا مستقبلنا المنتظر، مباشرة من قصر بعبدا. وسيكون، كعادة ميشال حايك في التوقع، مستقبلاً مبهماً جداً، لكنه مشرق بشدة تعمي الأبصار.