عبد اللهيان في بيروت:وعود ومخاطر

مهند الحاج علي
الجمعة   2023/01/13

للمرة الثانية على التوالي، تتزامن زيارة وزير خارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان الى لبنان وسوريا مع اتساع رقعة تطبيع العلاقات العربية والدولية للنظام السوري. ذاك أن مثل هذه الرحلة حصلت في آذار (مارس) العام الماضي حين وسّع الرئيس السوري بشار الأسد دائرة زياراته الخارجية المعتادة. والآن على وقع التطبيع العربي والتركي مع سوريا، واللقاء المرتقب بين وزيري خارجية دمشق وأنقرة، يحضر وزير الخارجية الإيراني.

وفقاً لمصادر عربية وايرانية، تُحاول ايران مزاحمة روسيا في إيجاد دور لها وحجز مقعد في الانفتاح السوري-التركي، إذ اعتادت موسكو على المضي في خيارات استراتيجية في سوريا دون مشاركة فعلية من الجانب الإيراني، حتى وإن شهدت العلاقات بين طهران وموسكو تقارباً في الآونة الأخيرة (باستثناء التقارير الأخيرة عن تأخير توصيل دفعة صواريخ إيرانية لأسباب سياسية). بكلام آخر، عبد اللهيان يزور سوريا لتسجيل حضور بلاده، وربما تعريف دور او فائدة لها من التحولات الحاصلة اقليمياً، أو في العملية السياسية المرتقبة.

في بيروت، باتت اللقاءات الرسمية فولكلورية الطابع. يأتي مسؤول إيراني ويعرض هبة أو مساعدة، ومن ثم ينطلق قطار التصريحات عن المساعدات الإيرانية الموعودة، والتوجه شرقاً، ومن ثم عن المنع الأميركي المتواصل لهذه المحاولات. ومثل هذه التصريحات صارت مثار ضحك، سيما أننا أمام تفكك كامل للدولة اللبنانية، وعدم قدرة على ضبط الحدود، مقابل قدرات متزايدة لـ"حزب الله" القادر على استيراد المحروقات وغير ذلك. أليس حزب الله قادراً على بناء معمل طاقة بمساعدة ايرانية مثلاً، أو اطلاق مبادرة للطاقة البديلة من خلال مؤسسة "جهاد البناء" لمساعدة سكان المناطق الحاضنة لسلاحه، على تخطي أزمة الكهرباء؟ 

بالتأكيد هو قادر على ذلك. لكن المشكلة في عدم توافر الموارد المطلوبة. لطهران موازنة لشراء السلاح وتوفير الرواتب للفصائل الموالية لها، ولكن لا مال للتنمية في الداخل اللبناني، ناهيك عن ايران نفسها، والتي تُعاني من ارتفاع الطلب على الطاقة، بما يؤدي الى انقطاعها كون الزيادة في الانتاج غير مؤمنة بالنسب المطلوبة. لكن المنطق غير ضروري هنا، بل المطلوب من الزائر الإيراني أن يتحدث عن استعداد بلاده للمساعدة في هذا الشأن وذاك. وكأن هذه الوعود الفارغة هي الوقود الإيراني الذي بات يصلنا دورياً وبلا انقطاع كساعة سويسرية لا تفوتها المواعيد.

لكن أيضاً من فولكلور الزيارة اللبنانية، مناقشة تطورات الساحة الفلسطينية. وهذا الموضوع كان حاضراً في اللقاء الأخير بين الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله وعبد اللهيان. جاء في البيان كلام عن "استعراض آخر التطورات والأوضاع السياسية في لبنان وفلسطين ‏والمنطقة وبالخصوص الاحتمالات والتهديدات الناشئة عن "تشكيل حكومة الفاسدين والمتطرفين ‏في كيان العدو وموقعية حركات المقاومة وكل محور المقاومة في مواجهة المستجدات والأحداث ‏الإقليمية والدولية". 

للبنان موقع أساسي اليوم على الساحة الفلسطينية، لاستضافته مجموعة من قيادات الصف الأول في الفصائل الفلسطينية، ولدور "حزب الله" المتصاعد فيها. ولهذا فإن وضع هذا الشأن في بيان اللقاء بين نصر الله وعبد اللهيان، يضع الملف الفلسطيني في مقدم اهتمامات الزيارة، سيما أن تشكيل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخلق تحديات، أكان لجهة رفع منسوب التوتر مع الفصائل الفلسطينية، أو لناحية التصعيد المرتقب في الملف النووي الايراني.

ولبنان للأسف معبر في الحالتين. لا دور مباشراً له في سوريا والتطورات هناك رغم استضافته أكبر عدد للاجئين نسبة للسكان، لكنه، في الوقت ذاته، ممر الزامي للرسائل وموقع أمامي لتلقي الضربات نيابة عن إيران. لهذا فإن الدرس الأهم لهذه الزيارة وما سبقها ويليها، أن الوعود الإيرانية بالمساعدة فارغة المحتوى والمضمون، لكن التهديدات بالتصعيد عبر لبنان جدية. 

الحل الأنسب لمثل هذه العلاقات المُفخخة وزياراتها، تفاديها، رغم أن الرهائن غالباً ينتظرون مصائرهم ولا يُقررون فيها.