شَعر الإيرانيات.. وليس شَعر النظام

جهاد بزي
الجمعة   2022/09/23
إيرانية تحرق حجابها (انترنت)
لن يصبر النظام الإيراني طويلاً قبل أن يقرر أن انتفاضة النساء الإيرانيات مؤامرة يحوكها الاستكبار العالمي. الحرس الثوري أصدر بيان التململ الأولي الذي يحمل تهديداً مبطناً بأنه يضيق ذرعاً، ممهداً بالتالي للتكشير عن أنيابه. وعشاق النظام حول العالم بدأوا يتخطون الأسف الخجول لوفاة مهسا أميني "بسكتة قلبية" وراحوا يهذون بتساؤلهم المعتاد عن التوقيت وردة الفعل المبالغ بها والتنظيم غير العفوي وغير البريء للتظاهرات والذي سيفضي في نهاية الأمر، وبذكاء العشاق المعهود، إلى أن لإسرائيل اليد الطولى في ما يحدث.

لائحة التعليمات نفسها، خطوة بعد خطوة، يحفظونها عن ظهر قلب. النساء الإيرانيات المنتفضات سيتحولن قريباً إلى خائنات وعميلات سفارات بما سيبرر حفلة الدم التي بدأت أصلاً، والتي ستتسع ما دمن في الشوارع، يخلعن غطاء الرأس ويحرقنه ويرقصن على رماده، ويضعن عيونهن في عين النظام.

ليست أول مرة تنزل المرأة الإيرانية إلى الشارع، لكنها هذه المرة تبادر إلى مواجهة النظام لأسبابها كمرأة أولاً. بعكس الخرافة التي يسارع التابعون إلى تردادها دائماً بأن للإيرانية حقوقاً هائلة، فالإيرانيات يواجهن تمييزاً في قوانين الأحوال الشخصية وفي التوظيف وفي كل تفصيل من وجودهن تحت سلطة هذه الدولة، يجعلهن مواطنات درجة ثانية في نظام فصل جندري أقامه ذكور الله على الأرض، يحميه حراس ثورة وأخلاق ودين وذكورة لا يعدون ولا يحصون. وغطاء الرأس المفروض بالقوة منذ أكثر من أربعين سنة، لم يعد مجرد واجب ديني تفرضه المؤسسة الحاكمة لكسب الثواب، بل بات العلامة الأخيرة المسمّرة على الرؤوس لانجازات "ثورة" لم تنجز شيئاً إيجابياً واحداً، ما عدا التذكير المستمر منذ عقود بالقدرة على إزالة إسرائيل ببضع دقائق.

الحجاب الذي انحسر منذ زمن بعيد عن رؤوس إيرانيات يرفضنه، هو أداة النظام لتذكير المرأة بأحقية عقيدته على قيمها وحريتها، وبأن عباءة المرشد أقوى، وبأن الثورة الحاكمة مستمرة بالثبات على الشكل الأول للجمهورية الخمينية، رجال دين في الحكم، وعسكر عابس متأهب للقمع في الثكنات، وجيوش من المحجبات المطيعات في الشوارع.

الآن، بينما يقصصن شعرهن ليقلن إن حريتهن أغلى حتى من الخصلات العزيزة على قلوبهن، بينما يرمين الخصلات أرضاً بلا اكتراث، يشرحن للنظام أنه لليس للشعر كل هذه الأهمية التي يعطيها له، لكنه مهما غطاه سيظل يطول من جديد ويطوف عن القماش، ولن يستطيع إخفاءه عن العيون إلى الأبد، وسيظل يأتي يوم تقف فيه شابة في منتصف الشارع، وتشيل القماش عن رأسها وترميه أرضاً، وتلوح بشعرها، أو تقصه، أو تفعل ما يحلو لها به، لأنه شعرها هي وليس شعر النظام.

لا أحد يريد أن يتكهن ما الذي سيحدث للنساء المنتفضات والرجال الذين معهن. لكنهن، ومن اليوم الأول، يلقّن العالم درساً في النبل والشجاعة والعناد. يقلن ال "لا" المقلقة التي رفعتها عبر التاريخ وترفعها كل يوم نساء حول العالم ضد قوانين وأعراف وقيم تتعلق بجسد المرأة، وكيفية استخدامه من قبل الرجل، والشروط الموضوعة عليها في كيفية استخدامها له، قبل البلوغ وبعده، قبل الزواج وبعده، قبل الموت وبعده. ماذا تغطي منه وماذا تكشف. كيف تجلس وتقف وتنام وتحكي وتتنفس. ماذا عليها أن تفعل بما يكبر في داخله، ومن له الحق بملكية هذا الذي نما إذ يخرج إلى النور، فإذا كان أنثى تعود الحلقة إلى نقطة البداية. الإيرانيات يقلن "لا" ليس للنظام وحده، بل لهذه الحلقة المفرغة بالتحديد.

لن يصبر النظام وحرسه طويلاً. شعر المرأة نفسه ليس خطراً، لكن النساء خطيرات. وهؤلاء المتمردات في مدن إيران لسن النموذج الذي يريده. لقد أعلن نموذجه الوهمي للمرأة وأخرجه في فيديو قبل أشهر، وعمّمه على البيئات الصديقة لتنتج نسخات شبيهة موحدة. نموذج طفلات محجبات بلباس أبيض، أقرب إلى الملائكة منهن إلى البشر، مطيعات حتى اختناق النفس، ينشدن معاً ويبكين معاً وينتظرن المهدي معاً. هؤلاء هن اللواتي يخاف عليهن النظام، ويخاف منهن أيضاً، لأنهن سيكبرن، ومن يدري أي واحدة منهن ستأخذها إلى مثواها الأخير شرطة الأخلاق بسبب حجابها "السيء"، ومن يدري كم واحدة من رفيقاتها ستقف في منتصف شارع، وتخلع غطاء رأسه، وتحرقه، وترقص حول النار فاتحة ذراعيها وتاركة شعرها للهواء.