من يحتكر السكر في سوريا؟

إياد الجعفري
الأحد   2022/08/07

خلال شهر، اختفت مادة السكر، تماماً، من صالات "السورية للتجارة" التابعة لحكومة النظام، وكادت تختفي في الأسواق، لتقفز أسعار الكميات الشحيحة المتوفرة منها، من 2500 ليرة سورية للكيلو الواحد، إلى ما بين 5000 إلى 6000 ليرة. وهنا انبرت الحكومة لتقدّم "الحلّ"، عبر رفع الأسعار الاسترشادية لاستيراد السكر المكرر، من 460 دولاراً للطن، إلى 600 دولار، وذلك في مقدمة لرفع الأسعار في الأسواق.


وبالفعل، يوم الثلاثاء الماضي، قفزت الحكومة بالتسعيرة الرسمية لكيلو السكر، من 2400 إلى 4400 ليرة. وكان التبرير، ضعف التوريدات، وتأثير العقوبات. بعد يومين فقط، قالت وزارة التجارة الداخلية، إن توريدات جديدة وصلت، مما دفعها لخفض السعر إلى 3900 ليرة، في محاولة منها لتهدئة الجدل الذي انفجر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.


هذه "الدورة"، اختفاء المادة من الأسواق، توالي تصريحات المسؤولين عن ارتفاع أجور الشحن وآثار العقوبات، وارتفاع الأسعار العالمية، ومن ثم صدور تسعيرات رسمية جديدة للسلعة، أعلى من تلك السابقة، باتت روتيناً يستطيع كل سوريّ يعيش في مناطق سيطرة النظام، أن يتنبأ بتطورات مقدماته. لذلك، توقع المعلّقون عبر وسائل التواصل، ارتفاع السعر الرسمي للسكر، منذ أن اختفى من الأسواق، خلال الشهر الفائت. لكن الجدل هذه المرة، انفجر بطريقة محرجة لحكومة النظام.


وناقش معلّقون، بعضهم شخصيات خبيرة بالمشهد الاقتصادي، تكلفة كيلو السكر على المستورد، بناء على الأسعار الاسترشادية للاستيراد، التي أعلنتها وزارة المالية، مطلع الشهر. إذ أن استيراد طن السكر بـ 600 دولار، ووفق سعر الصرف الرائج في السوق السوداء (نحو 4250 ليرة سورية للدولار الواحد)، يعني أن تكلفة استيراد الكيلو تبلغ 2550 ليرة، فلماذا حددت حكومة النظام سعر المبيع (لأول مرة) بـ 4400 ليرة! وبالفعل ردّت وزارة التجارة الداخلية على ذلك، بعد يومين من صدور التسعيرة الأولى، بتخفيض السعر إلى 3900 ليرة، مع تبيان التكاليف الإضافية على الاستيراد، وهي كلفة الشحن الخارجي مع تأمين، وكلفة تخليص وشحن ونفقات داخلية، بحيث تصل كلفة الكيلو الواحد، (واصل إلى مستودع التاجر)، إلى 3240 ليرة.


لكن هذا الكلام، عارضه صناعي سوريّ، يُدعى عاطف طيفور، مشيراً إلى أنه مستعد لتأمين كيلو السكر بـ 1550 ليرة، بسعر تمويل المركزي (2800 ليرة سورية للدولار الواحد)، في إشارة إلى استفادة المستوردين من "دولار الاستيراد" المدعوم، الذي يمنحهم إياه مصرف سورية المركزي. وبعيداً عن السعر الذي حدده الصناعي المشار إليه، وبالاستناد إلى سعر "دولار الاستيراد"، تصبح تكلفة استيراد كيلو السكر بحدود 1680 ليرة، فقط. وإذا أضفنا أجور الشحن التي أشار إليها بيان وزارة التجارة الداخلية، تصبح تكلفة الكيلو (واصل إلى مستودع التاجر)، بحدود 2800 ليرة. أي أن التاجر سيربح بالكيلو الواحد نحو 1100 ليرة، وفق السعر الجديد المحدد بـ 3900 ليرة.


هذا الجدل، حول أرباح التاجر المستورد، أعاد اسم "طريف الأخرس"، قريب زوجة رأس النظام، أسماء الأسد، إلى دائرة الأضواء. إذ شن معلّقون، بعضهم إعلاميون موالون، هجوماً على الرجل، بوصفه "حوت السكر" في سوريا. مطالبين إياه بتخفيض الأسعار. وتجاهل هؤلاء أن الأخرس تعرّض لحملة من جانب وزارة التجارة الداخلية، بإيعاز من النظام، لتقليص نفوذه في سوق السكر، لصالح سامر فوز، رجل الأعمال المقرّب من القصر، وذلك في أيلول/سبتمبر الفائت.


وكان لافتاً، أن تمرر وزارة التجارة الداخلية، اسم شركة محددة، بوصفها المسؤولة عن استيراد السكر. ففي بيانها الأخير الصادر، يوم الخميس، قالت الوزارة إنها طلبت من "شركة المدينة الوطنية تقديم بيانات كلفة حقيقيّة وتمت دراستها".


البحث عن اسم شركة "المدينة الوطنية"، في غوغل، يحيل مباشرة إلى شركة "المدينة"، وفق موقع "الاقتصادي – سورية"، المعروف بالداتا الخاصة به حول الشركات ورجال الأعمال السوريين. ووفق الموقع، فإن شركة "المدينة"، ومقرها ريف دمشق، هي شركة مساهمة مغفلة، تأسست عام 2003، وثاني أكبر مساهم فيها، هو رامي مخلوف بنسبة 39.98%. فيما أكبر مساهم فيها، هو شركة مجهولة، لم نجد أي معلومات عنها، اسمها "شركة دوم للتطوير القابضة"، بنسبة 40%. 


كان رامي مخلوف قد أسس شركةً باسم "المدينة للتطوير العقاري"، عام 2017، ومقرها أيضاً، ريف دمشق. مما يعزّز فرضية أن تكون "المدينة الوطنية" التي أشار إليها بيان وزارة التجارة الداخلية، هي ذاتها، شركة "المدينة" العائدة لـ مخلوف، منذ العام 2003، والتي تختص بالأعمال التجارية.


وهكذا، يبدو أن تمرير اسم هذه الشركة تحديداً، في بيان الوزارة، مقصود، بغية الإشارة إلى دورٍ لـ رامي مخلوف في أزمة السكر الراهنة، ويأتي كرد على حديث موالين عن تورط "طريف الأخرس" قريب زوجة الأسد، في احتكار السكر. ويتزامن ذلك مع أنباء عن مساعي النظام لطرد علويين موالين لـ مخلوف، من منطقة المخالفات (مزة 86)، مع تلقي هؤلاء إنذارات من محافظة دمشق، بإخلاء منازلهم في مدة أقصاها 90 يوماً، في تعبيرٍ عن مخاوف أمنية متصاعدة لدى النظام من قدرة مخلوف على إثارة تهديدٍ ما.


وهكذا، تذهب جيبة السوريّ المرهقة ضحية مناوشات كِبار المتنفذين في البلاد، الذين يتصارعون على ما يمكن احتكاره في بلدٍ لا اقتصاد فيه. ويبقى السؤال: من الذي يحتكر السكر في سوريا؟ رامي مخلوف، أم طريف الأخرس، أم سامر فوز؟ أم الثلاثة معاً؟!