الظواهري..لم ينل شرف أن يُرمى في البحر

جهاد بزي
الثلاثاء   2022/08/02
إذا صحت الرواية الأميركية، بأن المسيّرة التي قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري بصاروخين، وجدته على شرفة بيته في "داونتاون" كابل، فهذا يعني أمراً من ثلاثة:

إما أن الشيخ السبعيني اشتاق إلى رفيق عمره أسامة بن لادن، فاستعجل الذهاب إليه ليس بالقفز من شرفة المنزل، بل بمجرد الخروج إليها ليستقبل بصدره صاروخين ذكيين. أو أنه كان إلى هذه الدرجة مطمئناً بأن أميركا لن تجرؤ على قتله في أفغانستان، أو على الأقل لن تجيد قتله، بعد هروبها الكارثي من البلد قبل عام، وإما أن الطبيب والإرهابي شبه المتقاعد، قرر أن ينخرط بدمه ولحمه الحي، ومن دون نجاح يذكر في الانتخابات الأميركية.


المعلومات التي تبرع الأميركيون بإعلانها توحي بأن الظواهري كاد يقول لهم خذوني. فعائلته معروفة الإقامة منذ أشهر، وطالبان متهمة بأنها تعرف بوجوده في كابل، وقد راقبه الأميركيون لفترة طويلة حتى تأكدوا من هويته، وكان لدى جو بايدن الوقت الكافي لأن يطلع على مجسم للبيت الذي يقطن فيه المطلوب الكبير، ويستمع إلى مستشاريه بالتفصيل حول حسنات وسيئات إزاحة هذا العدو، ومستقبل اتفاق الدوحة مع طالبان بعد تنفيذ الضربة، إضافة إلى طلب المستحيل بتجنب خسائر في أرواح المدنيين، فكان له هذا أيضاً.


ولأن طبق الانتقام يؤكل بارداً، تأنى جو بايدن في النيل من هذا الهدف البائت المنسي الذي لا قيمة مادية له، بقدر قيمته المعنوية كشريك أساسي في المصيبة التي حلت على أميركا، والكوكب من بعدها، في الحادي عشر من أيلول 2001. حاول جو بايدن، في خطابه الدرامي مساء الأثنين، أن يجعل اغتيال الظواهري حدثاً يماثل إعلان باراك أوباما إلقاء جثة بن لادن في البحر. لكن رجل القاعدة الأول لا يشبه رجلها الثاني. بن لادن الذي قتل في العام 2011 كان قد انفرد بكونه الشرير المطلق في المخيلة الأميركية، تاركاً نائبه في الظل. ومع أن قتله بقي أكبر انجاز لأوباما، إلا أنه لم يستطع تجييره انتخابياً. بعده، قتل دونالد ترمب الجنرال الإيراني قاسم سليماني شبه المجهول لدى الأميركيين، وزعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، ولم يستفد في صناديق الاقتراع بدوره. الآن، وقد وصل الدور إلى بايدن، وفي خضم تضخم وحرب على السلطة بين الحزبين، فإن الترحيب البديهي بقتل الظواهري اقترن مباشرة بالسؤال التهمة: وما الذي كان يفعله زعيم القاعدة في كابل؟  


إنجاز الرئيس الباهت هذا لن ينعكس إيجاباً على نتائج الانتخابات النصفية التي ينتظرها الديموقراطيون انتظارهم لكابوس، كما أنه لن يرفع من شعبية الرئيس المتدهورة بشدة. سينساه الأميركيون بسرعة، هذا إذا انتبهوا أصلاً، ليعودوا إلى مشكلتهم الحقيقية مع التضخم الذي يلتهم رواتبهم ويحملون الإدارة الحالية مسؤوليته. كما أن اغتيال الظواهري في كابل يكاد يكون deja vu، فزعيم التنظيم عاد إلى البلد الذي افتتحت أميركا القرن بغزوه للقضاء عليه وعلى تنظيمه وطالبان التي تأويهم في آن معا. وها الدائرة، بعد نحو عشرين عاماً، اكتملت بالرجوع إلى النقطة صفر، باغتيال عن بعد لزعيم القاعدة في عاصمة بلد تحكمه طالبان من جديد، قامت به السي آي إيه بدلاً من البنتاغون، كي لا يخل الأميركيون بالاتفاق المعقود مع طالبان، ومن دون التأكد حتى من الحمض النووي للجثة، كما في حال سليماني وبن لادن.


لن نعرف لماذا كان أيمن الظواهري يخرج إلى الشرفة وما الذي جعله مطمئناً هكذا. لكنها نهاية مثيرة للشفقة. فقد اصطاده الأميركيون بسهولة مضحكة، بخبر موت معلن، على شرفة مبنى عادي، وليس في كهف كما يليق بمن مثله، ومن دون أن تطأ قدم جندي أميركي الأرض. ولم يحدث مقتله أي هزة ولو صغيرة على أرض عدوه الأول. ولم ينل حتى شرف أن يرمى في المياه، كي ينضم إلى شيخه الجليل معاً، كي يرتاحان جنباً إلى جنب في قاع البحر، ويناقشان إلى الأبد، الكوارث التي تسببا بها في اليابسة.