الصحافة الروسية في زمن حرب بوتين

بسام مقداد
الثلاثاء   2022/07/05

في مقابلة على قناة التلفزة الخاصة المحظورة في روسيا RTVI في 22 الشهر المنصرم مع الحائز على نوبل للسلام السنة الماضية دمتري موراتوف، قال بأنه لم يكن يتوقع، لا هو ولا غيره، النتيجة المذهلة التي أسفر عنها المزاد العلني على ميدالية الجائزة. وكان موراتوف، رئيس تحرير صحيفة Novaya المعارضة التي توقفت عن الصدور أواخر آذار/مارس المنصرم، قد أعلن عن إنطلاق المزاد العلني في اليوم العالمي للطفل أول الشهر المنصرم، وإختتامه في اليوم العالمي للاجئ في العشرين منه. وجرى المزاد في قاعة الصحافة في "نيويورك تايمز" في 21 الشهر. وقال بأنه كان يذهل كيف كانت تقفز أرقام المزاد بين لحظة وأخرى عشرات آلاف الدولارات، ليستقر على مبلغ  103,5 مليون دولار ( ثمن ذهب الميدالية لا يتجاوز 10 آلاف دولار). سلم الرجل شيكاً بقيمة المبلغ  كاملة إلى مندوب منظمة اليونيسيف في القاعة. وحسب الإتفاق مع لجنة جائزة نوبل، تتولى المنظمة توزيع المبلغ على المنظمات المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين الأوكران أينما وجدوا. 

في تفسير هذا السخاء الكبير للمشاركين المجهولين في المزاد، قال موراتوف في المقابلة بأنه لا يعرف أحداً منهم، وبقوا مكتومي الأسماء والهوية تطبيقاً لشروط المزاد العلني. لكن المشاركين كانوا يعرفون ما يقومون به من مساعدة الأوكران وأطفالهم الذين إضطروا لترك بيوتهم واللجوء إلى مختلف البلدان، هاربين من قصف الروس ومجازرهم الجماعية في أنحاء أوكرانيا. 

وفي رد على سؤاله عن مكان إقامته وعمله، قال موراتوف بأنه تعهد على نفسه بألا يجيب على "الأسئلة الحمقاء". لكنه أكد أنه يقيم في موسكو ومنهمك بالعمل على إصدار مجلة شهرية "NO" (الحرفين الأولين من إسم صحيفته المتوقفة، وتعني "ولكن") مع الباقين من هيئة التحرير في روسيا, ولن يبارح روسيا كي لا يفقد معايشة نبض الحياة الروسية وهو يكتب عن قضاياها وتطوراتها في ظل الحرب على أوكرانيا. وسبق أن أصدر صحيفته في اليوم التالي للحرب والسواد يغطي صفحتها الرئيسية، يتوسطها عنوان كبير"روسيا تقصف أوكرانيا". 

في كلمته المؤثرة التي ألقاها قبل إفتتاح المزاد العلني، قال موراتوف بأن الأطفال يشكلون 40% من اللاجئين الأوكران الذين يبلغ عددهم 16 مليون شخص، وهو رقم لم تبلغه موجة تهجير في التاريخ، ويفوق أعداد الموجة التي سبقت الحرب العالمية الثانية. وقال "لقد حطموا ماضي الأطفال، ويريدون الآن تحطيم مستقبلهم، فهل نقف أمام هذا عاجزين، كما سبق أن وقفنا في الصحيفة؟". وحدّث القاعة عن صلاة طفل من مدينة ماريوبول: "ساعدني يا رب على تشريج الهاتف لأتصل بأمي"، وقال أرجو الجميع في القاعة أن يعتبروا هذا الولد طفلهم. ليس في هذا المزاد مطرقة، فلو كانت متوفرة "لطلبتها كي أدق مسماراً في نعش الحرب". وإختتم كلمته بشكر لجنة جائزة نوبل لدعمها فكرة بيع الميدالية بالمزاد العلني وتخصيص المبلغ المتحصل لدعم المهاجرين الأوكران وأطفالهم. 

تحدثت "المدن" إلى نائب رئيس تحرير الصحيفة أولغا بابروفا، لتسألها عن إمكانية طرح عدد من الأسئلة على دمتري موراتوف، فقالت بأن الرجل فيى الولايات المتحدة الآن، وليس معروفاً موعد عودته. وحين تم تذكيرها بمقابلته مع قناة التلفزة المذكورة وتأكيده بأنه لن يغادر روسيا ويعمل ويقيم في موسكو، قالت بأنه من الصعب تحديد مكان تواجده، حتى على أقرب المقربين إليه. وكرر تأكيدات بابروفا المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، وقال بأنه من الصعب ليس تحديد مكان تواجده فحسب، بل والتواصل معه، وذلك بسبب التضييق الذي تفرضه السلطة على الصحافيين والصحافة الليبرالية في ظل حربها على أوكرانيا.

  أوجزت بابروفا ل"المدن" ظروف عمل الصحيفة بعد إعلان حرب بوتين على أوكرانيا، ولماذا إضطرت لتقرر التوقف عن الصدور قبل أن تعلن السلطة حظرها، وعلاقة الصحيفة بمطبوعة "نوفايا أوروبا"، وعن توجهات الشهرية الجديدة NO. وقالت بأن الشهر الذي انقضى بين بداية الحرب على أوكرانيا وتوقف الصحيفة عن الصدور، كان الأصعب خلال 20 سنة من عملها في هيئة التحرير. في كل يوم كانت السلطة تفرض محظورات "خيالية" تجعل من المستحيل الإضاءة على التطورات في أوكرانيا، إلى أن كان يوم "شعرنا" أنه من المستحيل التحدث عن أي شيء لتفادي مفاعيل قانون العقوبات الروسي. وقالت بأن الصحيفة صدرت بصفحات بيضاء في وقت من الأوقات خلال هذا الشهر، وذلك في إشارة إلى أنهم لا يستطيعون قول ما يجب قوله عن أوكرانيا. 

وتقول أنه بعد مرور 4 أشهر على "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، قررت هيئة تحرير الصحيفة إصدار شهرية لا يعرفون كم من الوقت ستسمح لها السلطات بالإستمرار في الصدور. وإلى أن يصدر قرار الحظر المؤكد صدوره، كما يبدو، سوف تتحدث الشهرية عن ما يجري في روسيا، حيث يبرز في الفترة الأخيرة "نقص هائل" في المعلومات عن روسيا ومنها، وهو ما لم يسبق أن منعت السلطة الحديث عنه. وبالطبع سوف يستمرون في نشر "ما نحب ونجيد" من تحقيقات من مختلف أنحاء روسيا، وكيف  تؤثر "العملية الخاصة" على روسيا. و"العملية الخاصة" في أوكرانيا ليست العملية الوحيدة التي قامت بها روسيا، بل كان "لوطننا" عمليات خاصة كثيرة في السنوات الأخيرة. 

وتقول أنه، بعد توقف الصحيفة عن الصدور، قرر قسم من العاملين فيها، كما في مطبوعات أخرى ايضاً، مواصلة العمل خارج روسيا، خوفاً على أمنهم الشخصي. في روسيا اليوم يستحيل التحدث علناً عن أمور كثيرة، وذلك للخوف من الملاحقة القضائية. 

وتقول بابروفا بأن كثيرين ممن غادروا العمل في الصحيفة إلى الخارج، يواصلون عملهم في  مطبوعة  "نوفايا أوروبا"، والتشابه بين أسماء المطبوعتين يشير إلى أنهم يواصلون تقاليد Novaya  في أوروبا في عمل صحافة نزيهة. لكن لا علاقة قانونية أو إدارية للصحيفة مع المطبوعة الأوروبية، "لكننا نتعاطف بود مع عمل زملائنا الشباب في أوروبا، ونأمل أن نتمكن يوماً ما من إعادة إصدار صحيفة  Novaya في روسيا". 

وتشير إلى أن لجنة جائزة نوبل دعمت كلياً فكرة دمتري موراتوف طرح ميدالية الجائزة في المزاد العلني، وأعلنت بأنه ليس من خيار أفضل لإستخدام ميدالية الجائزة. وكانوا في الصحيفة يتوقعون أن يكون المبلغ كبيراً، "لكن ليس 103.5 مليون دولار". ومع أن موراتوف ليست له أي علاقة بكيفية توزيع المبلغ، إلا أن البروباغنديين الروس وجدوا الفرصة  سانحة للإبتزاز والقول بأن المبلغ لن يستخدم وفق الوجهة المعلنة. وتقول بأنهم في الصحيفة واثقون من أن المؤسسات الدولية عليها أن تحدد مصير "هذا المبلغ الكبير"، وليس من تقسيم بين مهجرين روس وغير روس. 

ورداً على سؤال ما إن كان من خطر في إدراج دمتري موراتوف على قائمة "عميل أجنبي"، نفت وجود مثل هذا الخطر "لأنه لم يتسلم سنتاً واحداً من المبلغ".

وعن تخصيص جزء من المبلغ للاجئين السوريين، سيما وأن موراتوف ذكر في كلمته أن جزءاً سوف تخصصه الأونيسكو إلى إفريقيا ولاوس، قالت بابروفا أن اليونيسيف وحدها مسؤولة عن توزيع المبلغ.