حرب أوكرانيا تنهي وجود روسيا؟

بسام مقداد
السبت   2022/07/30

مسألة تفكك روسيا لم تطرحها حربها على أوكرانيا، بل هي من يومياتها منذ إنهيار الإتحاد السوفياتي مطلع تسعينات القرن الماضي. وقد أفضى ذلك الإنهيار، كما هو معروف، إلى إستقلال الجمهوريات السوفياتية التي كانت ترزح تحت هيمنتها، وإلى إنتفاضة جمهوريات حكم ذاتي لم تتمكن، لأسباب مختلفة، من تحقيق هذا الإستقلال. لكن حرب روسيا على أوكرانيا منذ العام 2014، وتصعيدها إلى غزو شتاء السنة الحالية، جعلت تفككها أمراً يكاد يكون محتوماً، برأي خيراء في الشؤون الروسية. 

الحديث عن إحتمال تفكك روسيا ما بعد السوفياتية، لا يقتصر على المهتمين بالشأن الروسي من موقع الإعلام والمحللين السياسيين والخبراء بالشأن الروسي، بل كان وما يزال يتطرق إليه الروس أيضاً.  إذاعة "صدى موسكو" الشهيرة (أوقفت السلطات بثها إثر إعلان الحرب على أوكرانيا) نشر ربيع العام 2005 وقائع حلقة كان موضوعها "هل روسيا مهددة بالإنهيار؟". قبل أن يعلن الموقع أسماء المشاركين في الطاولة المستديرة، رد على إتهامات بعض المستمعين لصحافيي الإذاعة باللاوطنية، و بأن موضوع الحلقة  مستوحى من تقرير للمخابرات الأميركية، ولماذا تصر الإذاعة على تكرار طرح فكرة إنهيار روسيا، وهل كان ليطرح الموضوع في أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا؟

  قال موقع الإذاعة بأن موضوع الحلقة قد أخذ من مقابلة لرئيس ديوان الرئاسة الروسية حينها دمتري ميدفيديف (لاحقاً، رئيس الوزراء ورئيس الإتحاد الروسي) مع أسبوعية روسية، شكل "إنهيار روسيا المحتمل" أحد أبرز موضوعاتها. ونقل عن ميدفيديف قوله "إذا فشلنا في توحيد النخب، قد تختفي روسيا كدولة واحدة ... وتوحيد النخبة الروسية ممكن فقط على منصة الدولة الفعالة". وأضاف بأن "سقوط الإتحاد السوفياتي قد يبدو إفطار حضانة أطفال بالمقارنة مع إنهيار الدولة في روسيا المعاصرة".

في رد على السؤال الأول عما إن كان يوجد بالفعل خطر إنهيار روسيا، قال أول المشاركين في الحلقة بأن المجتمع الروسي يعيش أزمة عميقة قد يؤدي تطورها اللاحق إلى إنهيار روسيا. وبعض جوانب الإنهيار تبرز الآن، على سبيل المثال، في هجرة السكان من الشرق الأقصى، وفي تصاعد الأصولية الراديكالية الإسلامية في شمال القفقاز. ويرى بأن التصريحات التي كانت تأتي من وراء جدران الكرملين في تلك الفترة تحمل طابعاً هستيرياً متعالياً. وإضافة إلى مقابلة ميدفيديف التي تحمل مثل هذا الطابع، أشار إلى مقابلة مشابهة كانت سبقتها لمن كان يوصف حينها بأيديولوجي الكرملين فلاديسلاف سوركوف. ونقل عنه قوله بأن "العدو أصبح على أبوابنا...الجبهة تمر في كل شارع وعبر كل بيت". ورأى أن الأزمة ناتجة عن سياسة نظام بوتين، وهم يريدون تمويهها بمثل هذه الهستيريا الهادفة إلى الإحتفاظ بالسلطة، وكأنهم يقولون "التفوا حولنا، وإلا سوف تنهار روسيا". 

موقع الخدمة الروسية في إذاعة "صوت أميركا" نشر في 22 الشهر الجاري مقابلة مع خبير أميركي في الشؤون الروسية بعنوان "يانوش بوغايسكي: الحرب في أوكرانيا قد تسرع إنهيار روسيا"، وأردفه بآخر ثانوي " لقد أجرى بوتين سلسلة من الحسابات الإستراتيجية الخاطئة التي قد تؤدي إلى عواقب لا رجعة فيها بالنسبة لروسيا - بما في ذلك إنهيارها".

قدم الموقع للمقابلة بالقول أن تفسيرات بوتين لحربه على أوكرانيا تحمل شحنة أمبراطورية، حيث قارن حربه العدوانية ضد البلد المجاور بأعمال القيصر بطرس الأكبر، ووصف الأراضي التي احتلها في أوكرانيا ب"الأجزاء الضائعة من الإمبراطورية الروسية". ويقول بأن خبراء كثيرين يتحدثون عن إحتمال إنهيار روسيا، لكن قلة منهم تقوم بتحليل عواقب مثل هذا الإنهيار على الفضاء الأوراسي والأطلسي، وما يجب أن يقوم به العديد من الدول لتكون مستعدة لهذا الإنهيار. مثل هذا التحليل يتضمنه كتاب أحد كبار خبراء الشأن الروسي في مؤسسة Jamestown Foundation الأميركية يانوش بوغايسكي "الدولة الفاشلة: دليل تمزق روسيا" الصادر هذه السنة.

ينقل الموقع عن الخبير قوله بإمكانية الحرب على أوكرانيا التعجيل بانهيار روسيا في المستقبل المنظور. أمران يقفان وراء هذه الحرب: الأول هو أن روسيا قائمة على مقولة إمبراطورية قديمة تعود للقرن التاسع عشر. فهي تواصل محاولة إحتلال أراضي واستيعاب السكان الذين يعيشون فيها. الأمر الثاني هو كشف الحرب عن مواطن ضعف روسيا. فحتى المحللون العسكريون الأميركيون البارزون كانوا يشيدون بقوة الجيش الروسي ويحذرون منها، لكنه تبيّن في اوكرانيا أنه "ليس كذلك". كما كشف مسار غزو أوكرانيا عن مشاكل أكثر عمقاً في المجتمع الروسي: فساد وخداع عميم، إخفاء الوقائع. يضاف إلى كل ذلك الخسائر   الكبيرة التي تلحق، وسوف تلحق، بروسيا والعقوبات الإقتصادية التي سيظهر أثرها حتى آخر السنة. 

في رده على السؤال عن مقاربات الغرب لمسألة إنهيار روسيا، قال الخبير أن "مقاربتنا" ليس لها أي معنى بالمقارنة مع مايجري في روسيا عينها. فهي تعيش أزمة وجود ـــــــ إما أن تصبح فيدرالية حقيقية مع مستوى معين من اللامركزية، التعددية، الديموقراطية، الإنفتاح على المنافسة في السوق وتنهي فساد الدولة المنهجي، وإما أن تنهار. وإذا لم تقدم على مثل هذه التغيرات، فإن التوتر المتصاعد في داخل الدولة الروسية والمجتمع، معززاً بالحرب الفاشلة في أوكرانيا، سوف يفضي بها إلى أزمة تطال وجودها عينه، إنما ليس وجود الروس، بل وطنهم. ويرى "أننا يجب أن نكون مستعدين" لمثل هذا التطور للأحداث، لكن إدارة بايدن لا تعمل بما يكفي في هذا المجال. ويقول بضرورة الإستعداد للسيناريو البديل حين ستبدأ روسيا بالتفكك، وتبدأ كيانات جديدة بالظهور ويعم وضع ثوري مختلف أنحاء روسيا. ويرى أن "علينا أن نستعد لإقامة علاقات" مع الكيانات الجديدة التي سوف تظهر من روسيا المفككة. 

موقع قناة التلفزة الأوكرانية 24tv نشر في 24 الجاري نصاً تابع فيه أعمال "منتدى شعوب روسيا الحرة" الذي عقد في براغ خلال عطلة الأسبوع المنصرم. يقول الموقع أن المشاركين في المنتدى أجمعوا على حتمية إنهيار الدولة الروسية، وعلى ضرورة بلورة الإلتزامات القانونية لأعضاء الحكومات الوطنية المستقبلية على الأراضي الروسية، والقيام بكل الممكن للإنهيار السريع ل"دولة الشر الأحدث". 

ينقل الموقع عن نائب في البرلمان الأوكراني قوله بأن المشاركين في المنتدى (تأسس منذ حوالي الشهرين) طرحوا في لقاء براغ الأفكار الأولية حول كيف ينبغي أن يتم تقسيم "روسيا السابقة" بعد تدمير الدولة الروسية.

وبعد أن يشير البرلماني إلى محاولة البروباغنديين الروس إقتحام قاعة اللقاء وتعطيل أعماله، يقول أنه بالنسبة للروس المؤيدين للكرملين لا تطاق مجرد فكرة أن لشعوب روسيا الصغيرة الحق في تقرير مصيرها، وإقامة دولها المستقلة المنفصلة عن بعضها البعض.

الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف رأى في منتدى براغ موضوع سخرية. ونقلت عنه نوفوستي قوله بأن المشاركين في المنتدى وقعوا إعلان "إنهاء إستعمار الإتحاد الروسي"، وقسموا روسيا إلى 34 بلداً يجب أن تنشأ بعد زوال روسيا. ويقول بأنهم إقترحوا أيضاً خريطة للفضاء الروسي تظهر عليها "الولايات المتحدة السيبيرية"، "كونفيدرالية القفقاز" وسواها. وأطلق العنان لسخريته،  واقترح عل المنتدى أسماء وهمية لدول مدن وهمية أيضاً، "شرط أن لا تطير أم التنين إلى الغرب". 

شكر قاديروف "الليبراليين الزائفين" على "تأكيدكم كلام قيادة روسيا عن محاولات تقسيم روسيا"، وخاطبهم قائلاً "لا أحد أفضل منكم للقيام بذلك" .