بايدن على خطى ترامب الاسرائيلية

محمد العزير
الأحد   2022/07/17

"إسرائيل هي الرابح الحقيقي من لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي". بهذا الوضوح لخّص عنوان تقرير مطوّل لموقع "بوليتيكو" المرموق عن زيارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الأولى الى الشرق الأوسط والتي شملت إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية، وقالت كاتبة التقرير الصحافية المعروفة، الإيرانية الأصل، نهال توسي أن دولة في المنطقة حققت النصر تلو الآخر في عهد بايدن وهي إسرائيل، وأن قراره لقاء محمد بن سلمان هو فوز جديد لها، ورأت في تعثر المفاوضات النووية مع ايران، واستبعاد واشنطن لحل الدولتين وتركيزها على تطبيع علاقات تل ابيب مع المزيد من العواصم العربية مكاسب إسرائيلية ساهم في إنجازها تولي الدبلوماسي المخضرم بريت ماكغورك ملف المنطقة، وسعيه الى العودة الى سياسة "الاستقرار" التقليدية.

تؤكد الوقائع المعلنة للزيارة والأخبار والتحليلات الكثيرة التي أحاطت بها صواب ما ذهب اليه التقرير. بدا بايدن في زيارته الأولى كرئيس الى المنطقة كمندوب مبيعات نشيط يروج الأهداف الإسرائيلية بحماس مضاف اليه رومانسية صهيونية فاقت جميع اسلافه. ردد بايدن خلال زيارته لإسرائيل أكثر من مرة مقولته الذائعة "ليس ضروريًا أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا"، وزاد عليها إشهار سجله "الإسرائيلي" الحافل، كونه زار تل ابيب كعضو جديد في مجلس الشيوخ عام 1973 والتقى رئيسة الحكومة الراحلة غولدا مائير، قبل حرب تشرين 73، وقبل سنة على زيارة أول رئيس أميركي لها ريتشارد نيكسون، وكون زيارته الأخيرة هي العاشرة له الى "ارض الميعاد". 

بكّر بايدن في تقديم أوراق اعتماده لمضيفيه، وكأنه يزاود على سلفه دونالد ترامب، ففي كلمته على ارض مطار بن غوريون أعاد التأكيد على الشراكة الاستراتيجية مع إسرائيل وحرصه على ضمان استمرار تفوقها التقني والعسكري وقال انه سيطلع ميدانيًا على القدرات الدفاعية الإسرائيلية ضد الصواريخ وعلى سير الدعم الأميركي لنظامي القبة الحديدية والشعاع الحديدي، وان محادثاته ستشمل تعميق التعاون العلمي والتقني، ومواصلة السعي لدمج إسرائيل في المنطقة... والأهم أنه يعرف أن حل الدولتين، وهو الأفضل لضمان مستقبل متساوٍ من الحرية والازدهار والديمقراطية للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء، لن يكون في المستقبل القريب.

حرص بايدن خلال زيارته على المشاركة في افتتاح الأولمبياد اليهودي الذي يستضيف كل اربع سنوات الرياضيين اليهود من كافة انحاء العالم ليتباروا في الألعاب الرياضية، كما تعمد المشاركة من تل ابيب في أعمال القمة الرباعية الأولى لمجموعي (I2U2) التي جمعته عبر الإنترنت مع رئيس دولة الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي ومضيفه رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لبيد، والتي كان البند الأول في بيانها الختامي التأكيد على دعم "الاتفاقات الابراهيمية" وكل ترتيبات السلام والتطبيع مع إسرائيل. كما رحب مع لبيد بقرار المملكة العربية السعودية فتح مجالها الجوي أمام كل الطيران المدني القانوني في العالم، ما يعني شمول القرار الرحلات الجوية الإسرائيلية، بالإضافة الى السماح برحلات إسرائيلية مباشرة الى المملكة لنقل الحجاج المسلمين، وركّز بايدن على التنويه بأنه سيتوجه بطائرته مباشرة من إسرائيل الى السعودية.

واذا كان ما قاله بايدن وفعله لإسترضاء إسرائيل كثيراً، ومنه التوقيع على اتفاقية خطية تقضي بمنع ايران من انتاج قنبلة نووية، وإعلان مساعدات مالية أميركية إضافية بقيمة 4 مليارات دولار، والتصرف وكأنه يزور ولاية أميركية، لكنها ذات سيادة متكافئة مع واشنطن، فإن ما لم يفعله، خصوصًا ما يتعلق بالقضية الفلسطينية كان أبلغ. ترك بايدن ما فعله ترامب كما هو؛ لم يتطرق الى مسألة مقر السفارة الأميركية في القدس، ولم يعلن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، لم يرفع اسم منظمة التحرير عن لائحة الإرهاب ولم يأمر بإعادة فتح مكتبها التمثيلي في واشنطن، لم يتطرق الى موضوع المستوطنات بتاتًا، لم يتناول ممارسات الاحتلال ولا عمليات هدم البيوت وترحيل الفلسطينيين قسرًا.

توجه بايدن الى بيت لحم ليلتقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيت لحم، وليس في جعبته أكثر من اعلان عن مساعدات للفلسطينيين بقيمة 345 مليون دولار، بعد توقف أي دعم أميركي لسنوات، وجاءت هذه المساعدة المخصصة للقطاع الطبي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مصحوبة بشروط أميركية ضمنية كشفت وسائل الإعلام الأميركية عن بعضها وهي الطلب الى السلطة الفلسطينية عدم اتخاذ اية تدابير من طرف واحد (!) ووقف العنف، والنظر الى التطبيع العربي مع إسرائيل على أنه مفيد للفلسطينيين ويساعد في التوصل الى حل لقضيتهم. ولم يلتق بايدن أو أي من أعضاء الوفد المرافق مع عائلة شيرين أبو عاقلة، واكتفي مستشاره للأمن القومي جايك سوليفان بالقول تعليقًا على طلب العائلة لقاء بايدن أن وزير الخارجية انطوني بلينكن وجه لها دعوة لزيارة واشنطن دون لقاء الرئيس.

وفي جدة، وبعد لقاء مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز واجتماع عمل موسع مع ولي العهد (MBS) تحدث بايدن الى الصحافيين ليكون البند الأول في مؤتمره الصحافي تكرار اعلان فتح السعودية مجالها الجوي امام الطيران المدني الإسرائيلي معتبرًا ذلك الخطوة العملية الأولى على طريق تطبيع العلاقات، كما اعلن الاتفاق على سحب قوات حفظ السلام الدولية من جزيرة تيران في البحر الأحمر والتي ستصبح مفتوحة امام الإستثمار والسياحة وحرية الملاحة لجميع الأطراف بما فيها إسرائيل، والاتفاق على تثبيت وقف اطلاق النار في اليمن والعمل دبلوماسيًا للتوصل الى تسوية أشمل، والاتفاق على مشاريع استثمار مشتركة في مجالات التكنولوجيا والطاقة البديلة، وضمان توفير كميات كافية من النفط لدعم النمو الاقتصادي العالمي. وأشار الى انه ناقش مسائل حقوق الإنسان والحاجة الى الإصلاح السياسي وانه طرح قضية قتل خاشقجي وانه كان واضحًا بأنه لا يمكن لرئيس أميركي أن يسكت على قضايا حقوق الإنسان.

فيما كان الاهتمام الإعلامي منصبًا على اللقاء مع (MBS)، وكانت الحسابات الحزبية تعبر عن اختلافاتها في التعليق على الزيارة، انطلق صوتان في واشنطن وكأنهما من خارج السياق الأول عن مجموعة مؤسسات يهودية تقدمية أميركية بينها "جاي ستريت" ناشدت بايدن التدخل لدى تل ابيب لوقف ترحيل الفلسطينيين من قرى منطقة مسافر يطا في محافظة الخليل بالضفة الغربية، والثاني عن أنشط مؤسسة يهودية تدافع عن القضية الفلسطينية في أميركا "صوت يهودي من أجل السلام" والتي ردت على مقولة بايدن "ليس ضروريًا أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا" بتغريدة قالت فيها..."وليس ضروريًا أن تكون صهيونيًا لتكون يهوديًا".