الحرب الأوكرانية تتمدد إلى البلطيق

بسام مقداد
السبت   2022/06/25

التوتر الأخير في العلاقات بين روسيا ولاتفيا، عضو الإتحاد الأوروبي وحلف الناتو، تزيل الأوهام التي كانت لا تزال تساور بعض جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابق بإقامة علاقات حسن جوار مع روسيا بوتين، تقوم على الندية وإحترام إستقلالية هذه الدول  وسيادتها على أراضيها. وحرب بوتين على أوكرانيا رفعت من حذر هذه الدول ومخاوفها من الإقدام على خطوة يفسرها الكرملين لغير صالحه. لكن مقاومة الأوكران التي تمدد  زمن هذه الحرب إلى سنوات، كما يتوقع الغرب الآن، دفع هذه الدول عينها إلى تجاوز جزئي لمخاوفها من إثارة غضب الكرملين، وحتى التجروء على إهانة بوتين كما فعل الرئيس الكازاخستاني قاسم توكايف أثناء منتدى بطرسبورغ الإقتصادي منذ أيام، حين أعلن رفض قبول وسام بوتين بذريعة عدم قبوله أي وسام خلال مدة رئاسته، وأعلن من منصة المنتدى، وبحضور بوتين، عن تأييده سيادة أوكرانيا على كامل التراب الأوكراني وإستقلالها وحريتها في إختيار وسائل ضمان أمنها.  

هذا الأثر للحرب الأوكرانية الذي عبرت عنه "إنتفاضة" توكاييف، إضافة إلى جملة الأسباب السلبية الأخرى على روسيا، والتي كان آخرها قبول الإتحادر الأوروبي ترشيح أوكرانيا ومولودوفا لعضوية الإتحاد والوعد بقبولهما رسمياً خلال 3 أشهر. هذه الأسباب مع سواها قد تكون هي التي دفعت ليتوانيا لكي تتذكر الحزمة الرابعة من العقوبات الأوروبية على روسيا التي أُقرت أواسط آذار/مارس المنصرم، وتعلن في 18 الجاري حظر صادرات روسية عبر أراضيها إلى منطقة كاليننغراد أقصى غرب روسيا (كينسبرغ الألمانية سابقاً). وقد أثارت خطوة ليتوانيا ثائرة الكرملين الذي هدد بإتخاذ إجراءات "قاسية ليست دبلوماسية" ضد ليتوانيا، وحظر مشاركتها في نظام الطاقة الكهربائية الموحد الذي يجمع بين روسيا، بيلوروسيا ودول البلطيق الثلاث، بل وبتوسيع الحرب على أوكرانيا إلى ليتوانيا. 

لكن حاكم منطقة كاليننغراد الروسي، وفي الرد على إعلان الرئيس الليتواني عن إستعداد بلاده للتوقف عن إستيراد الطاقة الكهربائية من روسيا، قال بأن ليتوانيا سبق وتوقفت منذ 6 اشهر عن إستيراد الطاقة الكهربائية من روسيا، حسب صحيفة Gazeta.ru الروسية

بعد يومين من إعلان ليتوانيا حظر صادرات روسية، إستدعت الخارجية الروسية القائمة بالإعمال الليتوانية في موسكو وأبلغتها بضرورة الإلغاء الفوري لهذه "العقوبات صريحة العدائية". وإعتبرت موسكو الخطوة بأنها خرق لإلتزامات ليتوانيا الدولية، وبالدرجة الأولى للإعلان الروسي الأوروبي العام 2002 بشأن الترانزيت بين منطقة كاليننغراد وبقية الأراضي الروسية. كما أبلغتها أيضاً بأنه إذا لم يعد الترانزيت إلى سابق عهده فإن روسيا تحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالحها القومية، حسب موقع rubaltic الليتواني. 

ينقل الموقع عينه عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب(الدوما) الروسي ليونيد سلوتسكي وصفه قرار ليتوانيا بأنه معاد لروسيا ويستهدف الإقتصاد الروسي ومنطقة كاليننغراد. ورأى أن بوسع روسيا "نظريا" حظر النقل الخارجي الليتواني عبر الأراضي الروسية، والذي يدر على ليتوانيا مبالغ طائلة من نقل السلع الأوروبية عبر منطقة روسية. إضافة إلى ذلك أشار سلوتسكي إلى إحتمال وقف مشاركة ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا في برنامج الطاقة الكهربائية الموحد. ورأى في قرار ليتوانيا محاولة إستفزاز روسيا، وحذرها من أنه إذا استمرت في التصرف على هذا النحو "غير المبرر كلياً"، فإن روسيا تحتفظ بحق "البحث في إمكانية خطوات مقابلة". لكنه إستدرك بالقول أن إتخاذ خطوات مقابلة والرد على الإستفزاز "يبقى من الناحية النظرية البحت". 

    على عكس إفتراض البرلماني الروسي من أن الرد الروسي على قرار ليتوانيا سيكون "نظرياً حتى الآن، تجتاح موسكو موجة عارمة من التصريحات النارية الصاخبة لبرلمانيين ومحللين روس تقترح سيناريوهات، ليس أقلها سحب الإعتراف بإستقلال ليتوانيا. فقد نقلت نوفوستي في 8 الجاري عن برلماني من حزب السلطة أنه طرح على مجلس الدوما الروسي (البرلمان) مشروع قانون بإلغاء قرار مجلس الدولة في الإتحاد السوفياتي للعام 1991 بمنح جمهورية ليتوانيا الإستقلال. 

وفي السياق عينه من الإقتراحات النارية الصاخبة، نقل موقع Lenta الإخباري الروسي في 23 من الجاري عن مؤرخ وخبير عسكري إقتراحه على روسيا وبيلوروسيا فرض حصار شامل على ليتوانيا إلى أن ترفع الحظر عن نقل الترانزيت إلى منطقة كاليننغراد. ورأى في خطوة فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) محاولة لجر روسيا إلى نزاع، ينبغي ألا تجابهه سوى بالتدابير الإقتصادية. ويعتبر أن ليتوانيا لم تكن لتقدم على مثل هذه الخطوة منفردة، بل يقف وراءها حلف الناتو والولايات المتحدة، والتدابير الإقتصادية الروسية قد تضطرها لطلب المساعدة من حلفائها الغربيين. 

موقع Meduza الروسي المعارض نقل في 23 من الجاري عن رئيسة وزراء إستونيا قولها لصحيفة الفايننشال تايمز بأن خطة الناتو تفترض تحرير دول البلطيق خلال 180 يوماً في حال إحتلتها روسيا، وإذا لم يغير الناتو خطته، في هذا الوقت "سوف يمحون إستونيا عن الخريطة". وإذا قارنا مساحة أوكرانيا بمساحة دول البلطيق مجتمعة، فالمدة التي تفترضها خطة الناتو لتحرير هذه الدول سوف تكون كافية لتديرها روسيا بالكامل مع ثقافتها وشعوبها.  

دول البلطيق التي ضمها ستالين إلى الإتحاد السوفياتي بموجب إتفاقية روبنتروب ـــــــ مولوتوف العام 1939، استمرت حرب العصابات فيها ضد المحتل البلشفي حتى أواسط خمسينات القرن الماضي. ولم يغادرها الخوف من روسيا حتى بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وإضطرار موسكو التوقيع على صكوك إستقلال هذه الدول. وتضاعف الخوف مرات في سائر جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابقة بعد شن بوتين حربه على أوكرانيا. فبعد يوم واحد من نشوب الحرب نشر موقع الخدمة الروسية في BBC نصاً بعنوان "دول البلطيق تستعد لنزاع مسلح مع روسيا. إلى أي مدى الأمر واقعي؟". قال الموقع بأن زعماء دول البلطيق الثلاثة يؤكدون أن ليس من خطر محدق ببلدانهم الآن، إلا أن ثلاثتها إنضمت إلى الدعوة لتفعيل المادة الرابعة من إتفاقية الناتو التي تنص على بدء المشاورات في ظل "تهديدات للأمن ووحدة الأراضي". آخر مرة طرحت فيها بلدان أوروبا الشرقية مسألة تفعيل المادة الرابعة كانت في خريف العام المنصرم، وامتنعت بولونيا حينها عن إتخاذ موقف محدد. لكن بعد حرب بوتين على أوكرانيا صوت إلى جانب تفعيل المادة كل من دول البلطيق، بولونيا، سلوفاكيا، تشيكيا، رومانيا وبلغاريا. 

موقع rubaltic الليتواني المذكور نقل في 21 الجاري عن الناطق بإسم حاكم منطقة كالينيننغراد حديثه عن إجتماع سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف مع الحاكم. باتروشيف الذي يقول عنه كتاب سياسيون من البلطيق بأنه لا يرمي الكلام جزافاً ولا يوزع التهديدات من فراغ، كما الكثير من المسؤولين الروس، كان مجيئه، مصطحباً مفوض الكرملين في أقاليم شمال غرب روسيا، إشارة واضحة إلى دقة الموقف في البلطيق بالنسبة للكرملين، وإدراكه بأن حصار كالينيننغراد سوف يكون طويلاً. وهو ما تبرزه قائمة القضايا الحياتية التفصيلية التي تطرق إليها باتروشيف مع حاكم المنطقة، والتي تضمنت قضايا ضمان التشغيل المستمر لنظام الطاقة في منطقة كالينينغراد، والقضايا المتعلقة بصيانة كابل الألياف الضوئية تحت سطح البحر في المنطقة الذي يؤمن إتصال المنطقة مع بقية المناطق الروسية. كما بحث مسألة تأمين إستمرارية إتصال الهاتف الخليوي لسكان المنطقة وإستمرار البث الإذاعي الروسي المركزي.