"إفطار الأسرة المصرية" وحوارها

شادي لويس
الأربعاء   2022/05/04
عيد الفطر في المحلّة الكبرى (غيتي)
"مرة تانية شكرًا جزيلًا، مرة تانية بشكركم، وأنا شايف الأستاذ حمدين أهلًا وسهلاً، وكل اللي موجودين برحب بيكوا".. يختم الرئيس السيسي كلمته بإشارة إلى حضور المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، للمناسبة التي ضمت أعضاء الحكومة، شيخ الأزهر والبابا تواضروس، وعدداً من الفنانين والرموز السياسية والنقابية. 

"إفطار الأسرة المصرية" طقس جديد يتم سنّه في روزنامة السياسة المصرية، ليلة رمضانية في الأسبوع الأخير من الشهر الكريم تنم طقوسها ولائحة مدعويها عن قدر من سعة صدر الدولة مع خصومها. لا يحضر صباحي وحده، بل كذلك الصحافي والسياسي والسجين السابق خالد داود، والمخرج خالد يوسف العائد من الخارج بعد رحلة فرار قصيرة. يجلس هؤلاء على الطاولات نفسه مع رجال الأمن، فتلك ليلة تنزل فيها رحمة الدولة، كما يتجلى الغفران المتبادل بين أبنائها وخصومها، ويلتئم شمل أولادها المقربين، والضالين أيضاً. بل يترحم السيسي على الرئيس السابق، محمد مرسي، ويخبرنا أن وقوفه معه كان وقوفاً مع الشعب المصري. في هذا كله، يظل الرئيس هو رب البيت وصاحبه، ولا يأتي ذِكر صباحي سوى بوصفه ضيفاً، هو وغيره يرحب بهم الرئيس، دلالة على الكرم وحسن الضيافة.

يهوى النظام إطلاق المصطلحات الجديدة. يصيغها برطانة مدير تسويق في موسم رمضاني مزدحم بالإعلانات. "الأسرة المصرية"، سبقتها "الجمهورية الجديدة"، والتي يعلن السيسي انطلاقها إثناء الإفطار. كان قد أعلن تدشينها مراراً من قبل، لكننا أمام تأكيد آخر بأننا بصددها، بلا نية أو حاجة لتفسير معناها، فالشعارات الدعائية لا يلزمها الشرح وإلا فقدت قدراً كبيراً من تأثيرها.

وبالتوازي مع تدشين جمهوريتنا الجديدة، يعلن الرئيس أن أوان الإصلاح السياسي قد آن. في كلمته، يخبرنا بأنه رغب في البدء في هذا الإصلاح مبكراً، إلا أن الظروف لم تكن تسمح. أما الآن، وبعد القضاء على الإرهاب في سيناء، وتأمين أساسات الدولة، فالظروف غدت مواتية. يُعدّ السيسي 13 قراراً، بعضها يخص عدداً بعينه من المواطنين، مثل سداد مديونية بضع مئات من الغارمات والغارمين، والبعض الآخر مجرد تأكيد على استمرارية بعض التكليفات مثل استمرارية معارض السلع المدعومة حتى نهاية العام. تتغلب العناوين العريضة والمكررة، مثل خفض الدين العام وإطلاق "عام المجتمع المدني" وتوطين الصناعة، من دون تفاصيل تذكر. لكن، من بين هذه القرارات، أكثر ما نال الاهتمام كان الإعلان عن تدشين حوار سياسي "لكل القوى من دون استثناء ولا تمييز".

حضور صباحي بين عدد من الوجوه المحسوبة على المعارضة، وبعدها إطلاق سراح عدد من المساجين السياسيين بعفو رئاسي، أضفى على دعوة الحوار بُعد الجدية. وبالأخص مع تدهور الوضع الاقتصادي بمعدلات قياسية والتخوف من ردّة شعبية غاضبة، ذهب البعض إلى أن تلك الضغوط قد تدفع النظام إلى التهدئة أو حتى تخفيف وتيرة القمع. إلا أن هذه ليست المرة الأولى لأي من هذا، فالاقتصاد المصري في ظل النظام الحالي، شهد هزات متتابعة ولم تكن الأخيرة أكبرها، وتم التعامل معها جميعاً بالمزيد من العنف. أما عن حضور رموز المعارضة، فصباحي نفسه كان مدعواً من قبل في احتفالية افتتاح "قناة السويس الجديدة" في 2015، وحينها نزل أمام الكاميرات ليغسل وجهه بأول مياه تتدفق فيها.

وفي ما يخص دعوات الحوار، فهذه ليست المرة الأولى أيضاً. منذ انطلاق أولى دورات المؤتمر الوطني للشباب في العام 2016، تكررت الإعلانات عن مراجعة أوضاع المساجين السياسيين وإطلاق مبادرات للحوار السياسي والمجتمعي. يذكرنا الرئيس نفسه في إفطار الأسرة المصرية بأن تلك الوعود لم تُفضِ إلي شيء، فواحد من القرارات الـ13 التي أعلنها في كلمته هو "إعادة تفعيل" لجنة العفو الرئاسي التي تشكلت قبل خمسة أعوام في واحد من مؤتمرات الشباب. في الحقيقة، لم يكن لدى اللجنة مقر ولا لائحة للعمل، فهي لم تُفعّل بالأساس حتى يعاد تفعيلها.

الأهم، مَن هم أطراف الحوار؟ مَن يدعوهم ومَن يحدد أسماءهم؟ ومن سيدير الحوار، وما هي محاوره؟ يوكل الرئيس المهمة إلى إدارة مؤتمر الشباب، التنسيق مع القوى السياسية ومن ثم رفع النتائج إليه شخصياً، مع وعد بحضور الجلسات الختامية. هكذا، يكون الرئيس فوق الحوار، وليس طرفاً فيه. أما الحوار نفسه، فشأن شبابي، تقوم عليه هيئة تقتصر خبراتها على إقامة المهرجانات الاحتفالية.

في الدورات السابقة من مؤتمر الشباب، كان برنامج العمل يتركز على "نموذج للمحاكاة" يتحاور فيه الشباب الذين تنتقيهم الدولة، قبل أن يلقي الرئيس كلمة ختامية ويتسابق الحضور على أخذ صور "سيلفي" جماعية معه.