ايران ودهرية اللحظات الاخيرة

حسن فحص
الأحد   2022/03/20
© Getty

جميع المؤشرات الصادرة عن واشنطن وطهران والعواصم الاوروبية تتحدث بان المسافة الفاصلة للتوقيع على الاتفاق النووي باتت تحسب بالساعات، لاعلان انتهاء مفاوضات فيينا في جولتها الحالية والانتقال الى مرحلة جديدة من التعامل بين هذه العواصم والنظام الايراني وفقا للمقتضيات التي افرزتها الحرب الاوكرانية. 

وعلى الرغم من جرعة التفاؤل غير المسبوقة في تصريحات الجانب الايراني، الا ان حالة من الحذر مازالت تخيم على طهران، تحسبا لاحتمالات الفشل او حصول انتكاسة في اللحظات الاخيرة تطيح بكل الجهود المبذولة، وتكون استجابة لضغوط بعض القوى الرافضة لهذا الاتفاق، سواء في الداخل الايراني، او على المستوى الاقليمي، خاصة الضغوط الاسرائيلية التي ترى أن اي اتفاق بين وايران والمجموعة الدولية، وتحديدا بين واشنطن وطهران ، يشكل تهديداً مباشراً لها ولامنها القومي ومصالحها الاقليمية، نتيجة تخفيف القيود على حركة النظام. 

الاستنفار الاسرائيلي في الايام الاخيرة، تحديداً بعد الكشف عن نية الادارة الامريكية والرئيس جو بايدن على اخراج مؤسسة حرس الثورة العسكرية عن لائحة المنظمات الارهابية مقابل المساعدة في تخفيف التصعيد في الاقليم، ترافق مع تصعيد أمني غير مسبوق بين تل ابيب وطهران وتجاوز كل الخطوط الحمراء حسب التعبير الايراني ليطاول اساسيات الامن القومي للنظام انطلاقا من دول الجوار وفيها، سواء باستهداف مصنع الطائرات المسيرة على اطراف مدينة كرمنشاه بالقرب من الحدود مع العراق، او في الضربة التي تعرض لها احد مراكز الحرس جنوب العاصمة السورية دمشق وادت الى سقوط اثنين من جنرالات الحرس برتبة عميد. 

هذا التصعيد، والذي يقع في عرض المفاوضات النووية في فيينا، وضع المفاوض الايراني ومن ورائه النظام بمؤسستيه السياسية والعسكرية، امام تحد واستحقاق مصيري، يشبه الى حد كبير التحدي الذي يواجهه حليفه الروسي نتيجة العملية العسكرية التي بدأها في غزو اوكرانيا، وجعله بين خيارين صعبين معقدين ومتلازمين. فهو من ناحية – اي النظام في طهران- بحاجة الى الاتفاق النووي لاعادة ترتيب وضعه الاقتصادي والبدء في تسييل استثماراته في الاقليم لتكريس دوره وموقعه وساحات نفوذه، وما يتطلبه ذلك من ضرورة تقديم تنازلات مدروسة وقاسية في الوقت نفسه من اجل تحقيق هذا الهدف. ومن ناحية اخرى، الخوف من الوصول الى نقطة حرجة قد تتجاوز فيها التنازلات المطلوبة قدرته على التحمل بحيث تضعه امام خيار التمسك وعدم التراجع وما يعنيه ذلك من امكانية العودة الى نقطة البداية. وبالتالي فان محصلة كلا الخيارين، ستكون سلبية على النظام. ما يعني ان على النظام السير على الحبل الرفيع الذي يفصل بين المقامرة والربح، وانه محكوم بالربح او عدم التنازل الصعب ليحافظ على استمراريته ودوره على ساحة النفوذ الاقليمي. 

لا شك ان المفاوض الايراني يعيش في هذه الايام لحظات وكأنها "الدهر" ، ينطبق عليها مفهوم الاية القرآنية "ان يوما عند الله كألف سنة مما تعدون"، فالساعات الاخيرة الحاسمة لم تكن عملية الوصول اليها سهلة وميسرة. فبعد ان استطاع تجاوز حقل الالغام الذي زرعه الصديق والحليف الروسي ومطالبته بضمانات امريكية مكتوبة حول آلية التعامل الاقتصادي بينه وبين ايران في ظل العقوبات الدولية المفروضة على موسكو، والمخرج الذي تم التوصل اليه بجهود قطرية وتفاهم امريكي ايراني،  بادراج الضمانات الروسية المطلوبة في نص الاتفاق النووي ما يسمح لموسكو حرية التعامل مع ايران بما يشمل الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين الطرفين، وضع طهران امام تحدي السكوت على الاعتداءات التي تعرضت لها من قبل تل ابيب، الذي يصب في اطار المطلب الامريكي بالتعاون لتخفيف التوتر في الاقليم، وتحدي الذهاب الى الرد الذي قد يستثير مخاوف الاطراف الاقليمية التي تنظر بقلق الى تداعيات الاتفاق الجديد والتفاهم الامريكي الايراني على المنطقة واحجام القوى الفاعلة فيها. 

في المقابل، يبدو ان الادارة الامريكية لا تتردد في اعطاء طهران اشارات ايجابية على نيتها التوصل الى آلية تساعد في التوقيع على الاتفاق النووي، ولعل التسريب المنقول عن البيت الابيض بامكانية القبول بالشرط الايراني باخراج مؤسسة حرس الثورة عن اللائحة الامريكية للمنظمات الارهابية، يبدو انه بات امرا واقعا بناء على ردة الفعل الاسرائيلية حوله، كون تل ابيب المعنية الاكثر والاكبر به لعلاقته بالامن القومي لها. بالاضافة الى ان الموقف الايراني بات محصورا في المطالبة بمطلب وحيد يتعلق بالحصول على ضمانات (سياسية واقتصادية) بعدم الانسحاب الأميركي من الاتفاق مستقبلا، من بين المطالب التي وضعتها على الطاولة كشرط للتوقيع واعادة احياء الاتفاق النووي. 

حصرية الحديث الايراني عن الضمانات كخطوة اخيرة قبل التوقيع، جاءت بعد الاشارة الى اخراج الحرس عن لائحة الارهاب، واستكمالا لمطلب انهاء جميع العقوبات التي فرضتها الادارة السابقة برئاسة دونالد ترمب، ومن ضمنها وفي مقدمتها وقبل مؤسسة الحرس، يأتي المرشد الاعلى للنظام وعدد من مسؤولي مكتبه وقيادات في النظام بما فيهم الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي. والذي يبدو ان ادارة بايدن قد وافقت على هذا المطلب  بشكل موارب، وانطلاقا من تسويغ سياسي يقوم على ضرورة اتخاذ هذه الخطوة اذا ما كانت واشنطن ترغب في الاتفاق، وان اخراج هذه الاسماء والمؤسسات عن لائحة العقوبات امر لا بد منه، لصعوبة التوقيع على الاتفاق مع جهات تخضع للعقوبات، وبالتالي فان مجرد الجلوس الى طاولة التوقيع يعني الاعتراف والقبول بالطرف الاخر الموقع كضمان للتنفيذ. 

القيادة الايرانية والفريق المفاوض، كانا يرغبان بان تنتهي الايام الاخيرة من العام الايراني الاخير من القرن الفارسي بالتوقيع على الاتفاق، بحيث يحتفل النظام والشعب بعيد النوروز وبداية قرن جديد (الخامس عشر الهجري الشمسي) من دون عقوبات. واذا ما فشلت هذه القيادة تحقيق ذلك، فانها تترقب ان تحتفل بذلك مع الايام الاولى من السنة الجديدة 1401 هـ. ش. 

فهل ستُفرَج على الايرانيين الرازحين تحت وطأة الازمات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية للنظام؟