محقق عدلي خاص لملاحقة ترامب

محمد العزير
الإثنين   2022/11/21
جاك سميث المحقق العدلي الخاص لملاحقة ترامب

تلقى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد ثلاثة أيام فقط على اعلان ترشحه مجددًا لتزكية الحزب الجمهوري لإنتخابات الرئاسة، صفعة قانونية قوية بددت محاولته المكشوفة للإلتفاف السياسي على التحقيقات القضائية التي تلاحقه منذ خسارته انتخابات 2020، في قضيتي إقتحام مبنى الكونغرس مطلع العام الماضي، لمنع تنصيب الرئيس جوزيف بايدن، ومصادرة وثائق حكومية سرية وحساسة كانت بحوزته بشكل غير قانوني في منتجعه الخاص، مارالاغو، في فلوريدا هذه السنة، ومنحت وزارة العدل الفدرالية فرصة هامة للدفاع عن استقلاليتها وابعاد شبهة التحيز عنها. 

لم يضيع ماريك غاريلبند المحامي العام الأميركي (وزير العدل)، المعروف بتحفظه وقلة كلامه وتصريحاته، الكثير من الوقت ليعلن في مقره في واشنطن العاصمة يوم الجمعة، تعيين محقق عدلي خاص بصلاحيات واسعة لمتابعة ملفي السادس من كانون الثاني/ يناير 2021، ووثائق مارالاغو السرية التي نقلها ترامب من البيت الأبيض الى مسكنه الشخصي، وأختار لهذه المهمة المدعي العام الفدرالي جون إل. "جاك" سميث، المشهود له بالكفاءة والنزاهة، ولم يخفِ المغزى السياسي لقراره فقال في تصريحه المقتضب أن حقيقة ترشح ترامب للرئاسة وعزم بايدن خوض الانتخابات أمليا عليه هذه الخطوة التي تخدم المصلحة العامة نظرًا للمعطيات الاستثنائية المحيطة بالقضية، مشيرًا الى انها تظهر تأكيد وزارته على الاستقلالية والمحاسبة في الأمور الحساسة. 

وحرص غارليند على التأكيد أن تعيين المحقق الخاص لن يؤخر سير التحقيقات، خصوصًا ما يتعلق بالوثائق السرية التي يتقدم فيها التحقيق بسرعة أكبر من ملف اقتحام الكونغرس، فيما تعهد سميث في بيان له بأن تسير التحقيقات بسرعة للتوصل "الى ما تقود اليه الحقائق وينص عليه القانون، أياً كانت". هذا يعني عمليًا أن الخناق القانوني بدأ يضيق حول عنق ترامب خصوصًا أن محققي وزارة العدل الذين أعطوا للملفين أهمية خاصة نظرًا لحساسيتهما وتأثيرهما الكبيرين على الحياة العامة تمكنوا من جمع الكثير من المعطيات والقرائن وافادات الشهود وتابعوا عن كثب التحقيقات البرلمانية المكثفة، وسيكون على المحقق الخاص أن يوفر مرجعية موحدة لكل مجريات التحقيق تعمل في ظل الصلاحيات الواسعة التي يمتلكها على التقليل من الروتين البيروقراطي واستدعاء ومقابلة المعنيين بوتيرة اسرع في ظل توفر موازنة خاصة لمكتب المحقق.

وكما هو متوقع، سارع ترامب الى ادانة القرار واصفًا إياه في نشاط سياسي في مارالاغو بأنه "إساءة استخدام مروعة للسلطة من قبل إدارة بايدن الفاسدة.. وخطوة جديدة في سلسلة مطاردة الساحرات"، وأظهر رد فعله الفوري الذي اتبعه ببيان بالمضمون نفسه مفاجأته بالإعلان، وفضلًا عن تجاهله لإعلان البيت الأبيض عدم علمه ولا تدخله، يظهر موقفه انكاره لدوره شخصيًا في دفع الوزارة الى هذا الخيار بإعلان ترشيح نفسه للمرة الثالثة، فحتى الأسبوع الماضي، حين كانت الوزارة صائمة عن الكلام والمواقف مراعاة لعدم التأثير في  الانتخابات التشريعية، كانت مصادرها توحي بأن غاريلند لا يرغب في تعيين محقق خاص لأن التحقيقات تسير بشكل معقول ونتائجها ستظهر حرفيتها وحياديتها، الّا أن اعلان ترامب خفف من أعباء غاريلند ومنحه فرصة أكيدة لإثبات حياديته واستقلاليته.

وما يريح غاريلند أكثر هو أن أنظمة انشاء منصب المحقق الخاص الإجرائية تعطي المحقق صلاحية اقتراح الادعاء على الأشخاص المشمولين بالتحقيق أو صرف النظر عنهم، لكنه يترك القرار الأخير في يد وزير العدل الذي يكون عليه في حال رفض السير باقتراح المحقق أن يشرح أسباب قراره رسميًا للكونغرس، وربما من سوء طالع ترامب أن سميث عمل كمدعٍ عام في شرق نيويورك (الولاية التي كان يعيش فيها الرئيس السابق حتى انتخابه) وتولى فيها بنجاح دعاوى فساد وجريمة منظمة، قبل أن ينتقل الى قسم "النزاهة العامة" في وزارة العدل وينجح في ادانة حاكم ولاية فرجينيا السابق الجمهوري بوب ماكدونيل وعضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية اريزونا ريك رينزي، الذي استفاد من عفو خاص منحه إياه ترامب! وكان سميث منتدبًا الى المحكمة الدولية في لاهاي الناظرة في جرائم الحرب في كوسوفو منذ العام 2018.

يعرف المتابعون لأخبار ترامب أن الرئيس السابق المثير للجدل نجح منذ دخوله المعترك السياسي من أوسع ابوابه عام 2015، في النجاة من أكثر من مأزق قانوني وشعبي وسياسي، فهو تعرض لإدعاء دستوري مرتين، وخضع مع كبار معاونيه لتحقيقات المحقق العدلي الخاص روبرت موللر الذي أدى عمل مكتبه الى الادعاء على المحامي الشخصي لترامب مايكل كوين ومدير حملته الانتخابية بول مانافورت ومستشاره وصديقه روجر ستون وآخرين في محيطه، لكن المحامي العام السابق وليم بار مسخ النتائج المتعلقة بترامب (الذي عينه) ورفض السير في الادعاء عليه، لذلك يصعب التكهن بما ستؤول اليه هذه الخطوة، وما اذا كان الاسبوعان السيئان اللذان شهدهما ترامب منذ الانتخابات التشريعية في الثامن من هذا الشهر مجرد كبوة يمكنه تجاوزها.