خامنئي لن ينتصر على شعر مهسا أميني

جهاد بزي
الخميس   2022/10/06
مهسا أميني

فجأة طاف تويتر بوسم "لبيك يا خامنه اى"، أي "لبيك يا خامئني" بالعربية. لا مؤامرة هنا بالضرورة. الوسم قد لا يكون مدروساً من جهاز بروباغندا النظام الإيراني الواسع، بل هبّة شعبية متزامنة، صدفة، بعدما اختنق المؤيدون في إيران وخارجها، بوسم مهسا أميني. لا بأس أيضاً أن معظم التغريدات بالإنكليزية، لغة الاستكبار العالمي. هذا أيضاً ليس دليلاً إلى أن الهجوم موحى به. قد تكون صدفة أن هذا الجمع الهائل من المجهولين قرر أن يغرد فجأة وجماعياً، بلغة الغرب اللعينة.
لكن الحرب بين وسمي مهسا أميني وخامنئي ليست متكافئة، كذلك الحرب بين المرأة المقتولة والإمام القائد. فالأولى باتت حالة عامة. لا يرد اسمها إلا مع صور نساء إيرانيات يتظاهرن في الشوارع والمدارس والجامعات، يرفعن الأصابع غير المؤدبة لصورة المرشد الأعلى وخلفه الراحل في صفوفهن المدرسية، وقد تحول شعرهن المرخي طويلاً على الظهر والأكتاف فعل عناد وتحد ومقاومة. صور وفيديوهات لا نرى فيها إلا شعر نساء بكل ألوانه. في المقابل، لا يجد المؤيدون للنظام ما يغردون به غير صورة الرجل المسن المعمم، يقرأ أو يلوح بكفه، بنصف ابتسامة، يرفقونها بأوصاف مهما تعددت لن تستطيع تخطي أصابع اليدين، منها، مثلاً، القائد، الذكي، الشجاع، الوسيم.. وطبعاً: الأب.
أتباع القائد في مأزق. فقد استهلكوا قاموس النعوت والأوصاف طوال ثلاثين سنة لحاكم ليس هناك أي تغيير يجري في حياته كولي فقيه، كأخ أكبر، كرمز، إلا تقدمه في السن. ليس لديهم ما يضيفونه على ما قالوه عن صورته المقدسة إلا أنه "أب"، وهذا نعت ليس في صالحه. فالإيرانيات شابات بشدة، مراهقات وما فوق. الحياة أمامهن، بعكس القائد. لديهن الكثير مما يمكن أن يكسرنه في الصورة المعلقة فوق لوح الصف المدرسي، وفي أولها صورته كأب. هنّ، أصلاً، لا يعرفن غيره أباً للنظام واختصاراً له. هذه الصورة التي تختزل النظام برمته، من حقه البديهي بأن يكون رأساً دائماً للسلطات جميعها، الدينية والسياسية والعسكرية، إلى سلطته بأن يكون وصياً على شعرهن وأجسادهن واسلوب حياتهن.
اسلوب الحياة الذي يكرهه المؤدلجون. الحرية التامة في أن يقرر الفرد، عن نفسه، كيف تجري حياته. كيف يلبس ويأكل ويشرب ويصادق ويحب ويكره ويقرأ ويشاهد وينام ويفيق. أي موسيقى يسمع. كيف لا يكون فوقه رقيب ديني أو أيديولوجي يعد عليه أنفاسه. "أب" يريد منه أن يكون نسخة مكررة عنه، تهتف باسمه وتردد ما يقوله من بعده. أب يريد، في سنه المتقدم وزمنه البائد، أن يكون هو الغاية التي من أجل بقائها يضحي الشباب بعمره، خاصة إذا كان هذا النظام يعيش أزمة خريف العمر، ويظل بعدما قفز عن سن الأربعين عاماً في الحكم، متصابياً، يسمي نفسه "ثورة".
لم تكن موفقة أبداً بروباغندا وضع الخامنئي في مواجهة مهسا أميني. فالإمام القائد، ثمانيني اكتفى من حياة أمضى نصفها تقريباًُ ومريدوه لا يرجون من السماء إلا إبقاء ظله على الأرض، كأن في هذا الظل ما يفيد بيئياً، بينما مهسا قتلت حين بلغت ربع عمره. الإمام القائد ليس لديه مثيل. حتى تسترجعه الأرض، وستسترجعه حكماً، ليس له بديل يخفف ملل التكرار في صورته. بينما مهسا، الآن، ليست صورتها فقط. هي صورة للإيرانيات على اتساع البلد الكبير، والعالم من حوله. مهسا باتت صورة كل إيرانية لوحت بغطاء الرأس وأحرقته، وكل إيرانية رفعت وسطاها غير المهذبة في وجه الإمامين، وكل إيرانية قصت شعرها، وكل إيرانية رقصت وغنت وضربت واعتقلت وقتلت في التظاهرات. مهسا، أيضاً، باتت صورة كل فتاة في هذا العالم ترفض أن يدير شؤون شعرها وجسدها "أب" آخر، نظاماً كان، أم مجرد رجل لم يجد طريقاً للانتقام من غموض حياته ومعتقداته وسقف أفكاره إلا ابنته وشقيقته وأمه، في إيران، أو بلاد أخرى، لبنان مثلاً.
لن ينتصر المرشد على شعر مهسا. لا في وسائل التواصل الاجتماعي ولا في الحياة. للطبيعة حكمها القاطع. المرشد سيموت، وهذا النوع من الأنظمة لن يدوم. أما النساء فخالدات، خلود نون النسوة في اللغة العربية، خلود وجوههن وأجسادهن وأفكارهن. خلود شعرهن.