الخروج الأفغاني: الهزيمة المعلنة سلفاً

شادي لويس
الأربعاء   2021/08/18
عائلة أفغانية تهرع إلى مطار كابول يوم الاثنين في محاولة للفرار بعد سيطرة طالبان على بلادهم.
ولا علامة واحدة على الندم، في خطبة الرئيس بايدن الواثقة والموجزة، لا اعتذار ولا مواساة للأفغان الضحايا، ضحايا الدخول الأميركي وضحايا الانسحاب. كل ما في الأمر، صياغة بأثر رجعي لأهداف المهمة، فالغاية كانت القضاء على تنظيم "القاعدة"، وألا تعود أفغانستان مرتعاً للإرهاب مرة أخرى، أما "بناء الأمة" فلم يكن يوماً من الأهداف الأميركية.

"إصلاح الدول الفاشلة: إطار عمل لإعادة بناء عالم ممزق"، عنوان كتاب أشرف غني، الأكاديمي الأفغاني والمسؤول في البنك الدولي، الذي أصبح الرئيس الأخير لبلاده قبل الانسحاب الأميركي. وكأن عملية بناء الأمة، شأن تقني متروك في يد الموظف الدولي، منحة تقاعد مريحة ورمزية. من البداية كانت المهمة محكومة بالفشل، افتقد الأميركيون الإرادة السياسية وكذا السخاء الذي يتطلبه استثمار طويل المدى، بدلاً من هذا أنفقت المليارات سنوياً على عقود التسليح، ومناقصات وزارة الدفاع الأميركية وشركات الأمن الخاص، تدوير رأس المال الأميركي ذاته بين لوبيات السلاح وملاّك أسهم شركاتها الصاعدة في البورصة، عشرون عاماً من المناورات بالذخيرة الحية، تدريبات على أهداف حقيقية، تجربة الطائرات بدون طيار والمجسات عن بعد والقنابل الهائلة في مدقات الجبال وبين القرى. والقليل الذي تبقى، كان يُوزع على الهيئات الغربية وشركات الاستشارات ومشاريع التنمية الصورية حسنة النية في أحيان كثيرة، حيث كانت تذهب معظم الموازنات لتغطية رواتب الموظفين الدوليين، ويصل الفتات في صورة رواتب هزيلة للعاملين المحليين، الذين اعتبروا أنفسهم محظوظين بأي حال.


ككل إدارة استعمارية أخرى، انقسم الأميركيون إلى معسكرين، الأول الأكثر كلاسيكية، المؤمن بنهاية التاريخ وبسمو النموذج الغربي وإطلاقيته، كان لا يجد هؤلاء مفراً من فرض نموذجهم على الأفغان من أعلى، إلا أنهم لم يكونوا جاهزين بعد، واجهت الحكومات الأفغانية المدعومة سوفيتياً معضلة من النوع نفسه في الماضي، وانتهت بنتائج كارثية كذلك. أما المعسكر الثاني فكان الأكثر ليبرالية، بمنظور النسبوية الثقافية والقناعات الانثربولوجية للاستعماريين الجدد، كان على الأفغان أن يطوروا تجربة في الحكم، نابعة من تقاليد البلاد وتاريخها، وعلى الإدارة الأميركية الحفز والتوجيه لعملية التطور التاريخي المكثف في معمل مغلق أو محمية بيئية لحفظ الماضي والمحلي، فرض من نوع آخر لكن من أسفل، هكذا حملت أفغانستان اسم "الجمهورية الإسلامية" تحت الاحتلال الأميركي، عنوان على احترام التقاليد الروحية للأفغان.

كان تبادل الأدوار بين المعسكرين مرتبطاً بتغير الإدارات الأميركية في البيت الأبيض، صراعات علنية وفقدان مبكر للأمل. كانت النتيجة واحدة في الحالتين. الأفغان غير مؤهلين للدولة-الأمة، الدولة بمعناها الحديث، وإن اختلفت الأسباب، أما لغياب البدائل أو في انتظار البديل المجهول.

في كلمته يلقي الرئيس الاميركي جو بايدن بالمسؤولية على الأفغان، لا ينبغي على الأميركيين أن يخوضوا حرباً يرفض أن يخوضها الأفغان أنفسهم. الانهيار المفاجىء لقوات الحكومة الأفغانية، يؤكد لبايدن صحة قراره بالانسحاب. لا يكفي أن يكون الأفغان غير مؤهلين للدولة بل يتم وصمهم بالجبن أيضاً. يقدم أبناء المارينز التضحيات من أجل أفغانستان فيما يفر الجنود الأفغان عديمي المروءة. إلا أن الاميركيين في الواقع كانوا قد وقعوا اتفاقية للسلام مع طالبان قبل أكثر من عام، وكانت بنودها تعني ضمناً تسليمهم البلاد. وبكل أريحية أعلن البنتاغون مرة بعد مرة، أمام وسائل الإعلام، عن توقعاته لصمود الجيش الأفغاني لستة أشهر. لكن من يريد أن يحارب من أجل التمثيل المشرّف، لا تخوض الجيوش الحروب وتوقيت هزيمتها معلن سلفاً، ولأجل ماذا، إن كان الأمر قد حسم بالفعل؟ 
في النهاية، يعلن بايدن، عن مبدئه الخاص، "لا بيادات على الأرض"، فكل شيء يمكن قصفه من السماء، نجح التدخل الجوي مع وجود مؤقت على الأرض في سوريا وفي العراق وفي باكستان وفي أماكن أخرى كثيرة. أما الأفغان وغيرهم في حدود القصف الأميركي فليسوا مؤهلين للدولة أو للحداثة. فحين سلم الأميركيون البلاد لطالبان، لم يكن هذا من باب الهزيمة أو العجز، بل بفضل قناعة متعالية ونهائية بأن هذا فقط ما يستحقه الأفغان وهذا ما يريدونه.