عن الهامش النووي لرئيس إيران الجديد

حسن فحص
الأحد   2021/07/18

قُضي الأمر، لن يكون فريق السياسي والدبلوماسي للرئيس الايراني المنتهية ولايته حسن روحاني الطرف الذي سيجلس الى طاولة التوقيع لإعادة احياء الاتفاق النووي في مواجهة الطرف الامريكي. فعلى الرغم من الجهود التي بذلها من اجل الوصول الى عتبة الاتفاق وأزال الكثير من العقبات والاشكالات حول اعادة الاتفاق النووي، الا ان الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي وبإجماع جميع الاطراف المفاوضة الايرانية والغربية سيكون الجهة المتحكمة بمصير هذه المفاوضات والنتائج التي افضت اليها. 

هذه المعادلة، التي باتت شبه مسلم بها لدى الجميع، ستكون بانتظار تولي رئيسي مهامه التنفيذية في بداية شهر آب المقبل والكشف عن فريقه الذي سيقود الادارة الدبلوماسية والذي من المرجح ان يكون على رأسها علي باقري كني، الآتي من داخل الادارة حيث شغل منصب مساعد رئيس دائرة اوروبا وامريكا عندما كان يتولاها سعيد جليلي ثم انتقل معه الى المجلس الاعلى للامن القومي، وهو الان يعتبر ممثلا للرئيس الجديد في كل المفاوضات واللقاءات التي ترتبط بالعلاقات الدولية خصوصا المفاوضات النووية. ما يعني ان الصورة العامة لفريق رئيسي الدبلوماسي لن تتوضح الا في اواسط شهر آب/ اغسطس، ضمن المهلة الدستورية الاولى لتقديم الحكومة الى البرلمان ونيل الثقة في حال لم يواجه الرئيس عراقيل في الأسماء التي يطرحها لتولي المناصب الوزارية خصوصا مع بوادر صراعات داخل التيار المحافظ حول الحصص والاسماء، وبالتالي ما لم يكن مجبرا على اللجوء للاستفادة من التمديد الدستوري لمدة خمسة عشر يوما اخرى. 

اسئلة كثيرة تطرحها او تفرضها المرحلة الانتقالية بين روحاني ورئيسي وما فيها من انتقال مسؤولية الملفات الاستراتيجية والمصيرية التي كانت تتولاها ادارة روحاني في السنوات الثمانية الماضية، وحجم العراقيل او التعاون الذي ستواجهها او تجدها الحكومة الجديدة بقيادة رئيسي، وهي تحديات لم يتردد روحاني في الايام الاخيرة من عمره حكومته في التصويب على الجهات المعرقلة في الداخل، معتبرا ان ادارته كانت قادرة على اخراج ايران من الازمات التي مرت بها مستفيدة من الانجاز الذي حققته على صعيد الملف النووي وعودة الانفتاح على المجتمع الدولي، الا ان الصراعات الداخلية ومصالح الاطراف كانت العامل الرئيس في افشال واضعاف الحكومة ومشاريعها، من اجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة والفئوية والحزبية. 

مع خروج روحاني وانتقال مقاليد السلطة الى التيار المحافظ، يعني ان الازمة الايرانية مع الغرب والمجتمع الدولي ستكون في صلب المسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة الجديدة، وهي التي سيكون عليها اتخاذ القرار، الذي لم يسمح لروحاني باتخاذه، حول آلية التعامل مع العالم، وقدرتها على استغلال الارضية التي وفرتها لها ادارة روحاني لتطوير شروط التعاون والتعامل مع المجتمع الدولي، ومدى قدرتها على توظيف هذه الاوضاع لملاقاة الايجابية الغربية التي تركت الباب مفتوحا للتفاوض متى ما شعرت طهران بانها قادرة على الالتزام بما يجب التعهد به في أي اتفاق محتمل او مقبل، خصوصا وان الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية قد قامت بما يجب عليها القيام به وقدمت ما تستطيع ان تقدمه من اجل اعادة احياء الاتفاق النووي، وبات على إيران القيام بالخطوة المطلوبة منها، وهي الخطوة التي مازال الغرب ينتظرها ولم تقم بها طهران حتى الان. 

وبناء على الاشارات التي صدرت عن الرئيس الجديد، ورغبته في العمل على اعادة ترميم الادارة والاوضاع الداخلية لايران بناء على الوعود التي قدمها في حملته الانتخابية من ناحية، فان هذا الهدف وتحقيقه يفرض عليه اللجوء الى سياسة التهدئة مع المجتمع الدولي وتفكيك الالغام التي تعيق عودة ايران الى حالتها الطبيعية، ما يعني ان عليه البحث عن المخارج التي تسمح له بتحسين وتطوير علاقات ايران الدولية، خصوصا مع دول المنطقة والجوار الايراني. 

وانطلاقا من ان الازمة الرئيسة بين ايران والمجتمع الدولي تدور حول البرنامج النووي بالدرجة الاولى، خصوصا وان هذه الازمة تشكل اولوية لدى الدول الغربية، وباعتبارها تهديدا واضحا للامن الاوروبي، ما يجعل جهود اعادة احياء الاتفاق النووي من اهم هذه الاولويات، قبل الموضوع الاقتصادي وما تشكله ايران من سوق واعدة للاستثمارات، التي تفرض عليها – اي الدول الغربية – العمل على استقطاب ايران بعيدا عن حليفها الصيني ما يشكله من تحدٍ في هذا الاطار. 

من هنا يبدو ان الكرة في ملعب الرئيس الجديد، بعد ان حدد الغرب خياراته في التعامل مع ايران، وهل سيكون الرئيس المنتخب عند توليه مهامه التنفيذية قادرا على اتخاذ الخطوة النهائية بعد ان مهد له سلفه روحاني الارضية لها. 

من المحتمل او المتوقع ان يلجأ رئيسي الى ادخال بعض التعديلات على ما تم انجازه وتحقيقه في عهد روحاني وجولات المفاوضات التي خاضها فريقه الدبلوماسي، بحيث لا تحلق ضررا بالمسار التفاوضي القائم، وتسمح له بان يقدم نفسه بصورة المتشدد الذي لم ولا يفرط بالحقوق الايرانية. لانه في حال ذهب الى خيار التشدد، وهو هامش ضيق، فان سيضع كل ما سبق وتحقق في حالة من الغموض وفي دورة جديدة من التفاوض قد تستمر لاشهر او ربما لسنوات وبالتالي قد تؤدي الى مزيد من تأزيم الاوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والحياتية، وتعيد مسألة الانفتاح على المجتمع الدولي الى دائرة الصفر من جديد. خصوصا وان القرار الحاسم في يد ايران الان، وعليها ان تقرر اذا ما كانت تريد التعامل مع العالم ام لا، لان الظروف لهذا التعاون قائمة ومتوفرة. 

ولا يبدو ان صلاحيات الرئيس الجديد في اتخاذ القرار النهائي حول المفاوضات النووية تختلف كثيرا عن صلاحيات الرئيس السابق، انطلاقا من كونها تدخل في دائرة صلاحيات المرشد الاعلى المطلقة ومعه المجلس الاعلى للامن القومي، وهي سياسات لا تتغير مع تغير الرئيس. الا ان هامش رئيسي سيكون اكثر اتساعا من روحاني في التعامل مع اندفاعة البرلمان الذي ذهب الى مزيد من التشدد في محاولة اقرار قانون يحرّم التفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية بعد الانتهاء من الازمة النووية، ما دفع رئيسي وفريقه المؤقت المكلف متابعة المفاوضات للاعتراض على هذا التوجه واعتباره خارج صلاحيات النواب، ما قد يشكل مؤشرا ايجابيا على نوايا ايرانية لمزيد من التعاون في المستقبل مع واشنطن تحديدا والمجتمع الدولي عامة.