منازلة بوتين بايدن:من يسقط الآخر بالضربة القاضية

بسام مقداد
الثلاثاء   2021/06/15

تعقد الاربعاء في جنيف قمة بوتين بايدن التي استهلكت منذ الإعلان عنها كماً هائلاً من النصوص الإعلامية والتوقعات والتخمينات. ويبدو أن تخفيض نبرة التصعيد من قبل مسؤولي الطرفين عشية إنعقادها، لن يفيد في تحسين النتيجة صفر المتوقعة لها. فتعليقات قراء أنبائها من الطرفين، لا تشير إلى أن الرأي العام في البلدين قد غيّر  رأيه الأولي في نتائجها. فالروس ثابتون في قناعتهم المتوارثة، والتي جهد الكرملين في ترسيخها طيلة سنوات حكم بوتين بإستحالة التوافق مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. والأميركيون ليسوا أقل من الروس قناعة بذلك، وإن كانوا يميلون هذه المرة لتحميل قصور العجوز بايدن عن مواجهة "فتوة" الكرملين المسؤولية عن النتيجة صفر المتوقعة للقمة . 

وكالة نوفوستي نقلت تعليقات قراء " Wall Street Journal" الأميركيين على مقالة للسيناتور الأميركي روب بورتمان العائد من جولة في أوكرانيا وجورجيا وليتوانيا، ونصح بايدن في المقالة بإتخاذ موقف حازم في اللقاء مع بوتين، والوقوف ضده في مسألة أوكرانيا، ومساعدة أوكرانيا وجورجيا في دخول الناتو، وإعادة النظر في الموقف من خط الغاز الروسي "سيل الشمال ــــ 2". 

قال قارئ في تعليقه على مقالة السيناتور بأن بوتين "سيمزق بايدن إربا"  كالفروج المشوي أمام أنظار الجميع. ورأى أن فريق بايدن ضعيف لدرجة ستبدو معها الولايات المتحدة "موضع سخرية أكثر" على المسرح العالمي. وشبّه مفاوضات بوتين وبايدن بالمبارزة الشهيرة بين بطلي الملاكمة الشهيرين مايك تايسون ومايكل جونسون، وفاز فيها تايسون بالضربة القاضية في الثواني 39 الأولى من المبارزة. ورأى هذا القارئ أن بوتين يلعب الشطرنج، في حين يلعب بايدن الداما، "وهذا يختصر القصة كلها" برأيه. 

قارئ آخر يكمل ما انتهى إليه سابقه، ويقول بأنه يشك في أن بايدن بوسعه لعب الداما، إلا إذا كان بجانبه مستشاروه يوشوشون في أذنه. وقال أنه لا شك أن الرئيس بايدن سوف يدعو بوتين إلى التراجع، كما دعاه يوماً ما رئيسه السابق أوباما، لكن بوتين لن يلتفت إلى ما قاله بايدن، كما فعل في المرة السابقة.

الإصدار الروسي لموقع "swissinfo.ch" السويسري  سأل سياسيين  وشخصيات إجتماعية روسية وغربية مختلفة رأيهم في قمة بوتين بايدن. ممثل سينمائي روسي قال بأن بايدن يعارض روسيا طيلة حياته. وكان يتمختر في أنحاء أوكرانيا، حين كان إبنه هانتر يتلقى مكافأة قيمة من شركة أوكرانية. وقد درس خصمه بوتين جيداً أفضل من أي أحد آخر، ولم يتبق في جعبته من تطرف معاد لروسيا لكي يثبته، لا أمام أصدقائه ولا أمام أخصامه. فقد سمح لنفسه القيام بخطوة لقاء بوتين، وهو ما كان محظوراً القيام به من قبل دونالد ترامب الذي ما إن فتح فمه، حتى اشتبهوا به بالتعاطف مع بوتين. 

وإذا كانت الولايات المتحدة تريد التركيز على الصين كما نؤكد، فعليها أن تتذكر عملية كيسنجر نيكسون الناجحة في العام 1972، حين تمكنا من دق إسفين بين روسيا والصين. ومن الغباء جداً القيام بذلك بعد خمسين سنة، فهذا لن يجبر روسيا على الإنتقال إلى معسكر الولايات المتحدة، لكنه قد يساعد في تخفيض التوتر بين الطرفين. وإذا ما فشلت القمة كلياً وتجددت المواجهة، فإن تقارب الصين وروسيا لن يحمل الطابع البراغماتي فقط، بل والطابع العسكري أيضاً، ولن يكون لصالح الولايات المتحدة.

ونقل الموقع السويسري عينه عن السياسي والصحافي السويسري غي ميتان رأيه في قمة بوتين بايدن. وميتان هذا مشهور بمحاربة الروسفوبيا الغربية وصاحب كتاب "روسفوبيا من كارل العظيم حتى الأزمة الأوكرانية". وكتب عنه الموقع عينه منذ سنوات يقول "غي ميتان وحربه الألفية ضد الروسفوبيا". يقول ميتان بأن الكثيرين يتمنون لو تفشل القمة. الكراهية وروسفوبيا المعادية لبوتين بلغت في وسائل الإعلام الغربية ومراكز التحليل والمؤسسات لدرجة أنهم يتمنون سراً فشل القمة. والأمر عينه يجري في روسيا سواء في الدوائر الروسية المعادية للغرب أو وسط بعض أنصار الليبرالية المؤيدين لكل ما يصدر عن الغرب مهما كان غبياً. فإذا نجحت القمة سوف يفقدون معنى وجودهم وما يرتبط به من مداخيل. 

ويضيف ميتان بأن العقول التي إستهلكتها الحرب الباردة والحرب العالمية التي سبقتها، تخشى يالطا جديدة، ميونيخ جديدة، تخشى إستسلام الغرب ل"المستبد" بوتين. لكن آمالاهم سوف تخيب، فالأمور لا يسعها أن تبلغ أسوأ مما هي عليه الآن. أولاً، لأن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة سيئة لدرجة يصعب معها أن نتخيل كيف يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه. حتى في أكثر فترات الحرب الباردة توتراً كانت الدولتان تتواصلان، وكان الهاتف الأحمر يعمل بين البيت الأبيض والكرملين. فالمنازلة الشرسة في تويتر والإتهامات الباطلة في ما يسمى التدخل الروسي والبروباغندا (بشأن قضايا سكريبالا ونافالني والحرب السورية وسواها) تغلبت على الحوار. ويبقى في جعبتهم  خيار الحرب النووية بالطبع، لكن يمكن الإفتراض أنه حتى أشد الناس عدوانية ضد روسيا يكفي ما لديه من التعقل حتى لا يقدم على ذلك. ثانياً، لدى بوتين جملة من النواقص بالطبع، لكنه ليس مجنوناً ولا من دعاة الحرب، مهما كان ما يكتبون عنه في الغرب. لم تدعُ أي من خطبه للكراهية باستثناء التهجم الغاضب على القتلة الجهاديين الذين يجب سحقهم. 

ويبلغ الحماس أشده عند السويسري فيذهب للتأكيد بأن أياً من عمليات روسيا العسكرية الداخلية والخارجية لم تخرق القانون الدولي، لا في سوريا ولا في جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك على عكس الغزوات الأميركية للصرب والعراق وليبيا أو الحروب بالواسطة، كما حرب السعوديين في اليمن. أما على الجبهة الداخلية، فمسؤولية الحكومة الروسية في معاملتها نافالني لا تبلغ "ربع عشر" تلك الفظائع وخرق حقوق الإنسان التي إرتكبتها الحكومة البريطانية بحق جوليان أسانج. بوسعنا المتابعة ساعة بساعة كيف يمضي نافالني ليلته في السجن، وهذا ما لا يتجرأ أحد على قوله بشأن صحة أسانج في معتقله "الديموقراطي" في سجن بلمارش صارم الحراسة. ولهذا يبقى أن نفترض أن بوتين سوف يذهب إلى هذه القمة متسلحاً بأسلوبه التكتيكي العملي.  

مرافعة السويسري ميتان لم يكن بوتين ليتوقعها من أشد افراد بطانته مصلحة في نظامه، جاءت على تناقض مع اللهجة الهادئة التي بعتمدها الكرملين عشية القمة مع بايدن، وإن كانت مرفقة دائماً بكلمة "ولكن". فقد عرض بوتين على بايدن عشية القمة "شراكة سيبرانية"، وأعلن عن إستعداد موسكو لتبادل قراصنة الإنترنت، لكن مع الإلتزام بعدد من الشروط. سارعت صحيفة الكرملين"vz" إلى نشر نص بشأن إقتراح بوتين، إستضافت فيه غير كاتب سياسي روسي أشادوا بالعرض، وحذروا في الوقت عينه من الرفض الأميركي له. قال أحد هؤلاء الكتاب أن الدول الرائدة في العالم، بمن فيهم روسيا،  تحاول منذ 15 سنة التفاوض على إتفاقيات بشأن الأمن السيبراني، لكن الأميركيين "ينسفون بشتى الوسائل" هذه المحاولات. 

وقال آخر أن دونالد ترامب وقع العام 2018 "الإستراتيجية السيبرانية القومية" التي نصت على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون الرائدة في الفضاء السيبراني، وعلى أن الأميركيين هم من يحدد قواعد السلوك في هذا الفضاء ويعاقب من يخالفها. وحددت الإستراتيجية كلاً من الصين وروسيا "أعداء سيبرانيين" لها. ويضيف الكاتب القول بأنه طالما أن "الإنترنت الحر" يخدم تقدم القيم الأميركية ومصالح الشركات، فلن يُسمح لأحد بتنظيم الإنترنت متسلحاً بمفاهيم "خاطئة" عن السيادة والأمن المعلوماتي. ويستنتج الكاتب من ذلك بأن مفهوم السيادة ليس خاطئاً حين يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، لكنه خاطئ في سائر الحالات الأخرى.