القدس تهزم التطبيع

بسام مقداد
السبت   2021/05/15

يتم التداول في الشبكة الإجتماعية بنص يرى في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية الجديدة، أن الجميع "يكتشفون الآن أن إسرائيل احتلت الوطن العربي والإسلامي كله، لكنها لا تزال تحاول إحتلال فلسطين". القول لا يحتمل مقاربات سياسية واقعية، بل هو صرخة لما يعتمل في النفوس من غضب لما بلغته الحال من مهانة وإحباط ، وما يحمله الفلسطينيون مجدداً من وعود وآمال، خاصة  لمن يسكن الأرض من الخليج إلى المحيط. والخوف، كل الخوف عليهم يبقى من "الغيارى" على قضيتهم، سواء من داخلهم أو من خارجه ، سيما أن المستثمرين في مأساتهم قد سارعوا، كما يبدو، إلى توظيف ما سال من دمائهم في القدس ، ولم يتأخروا عن توظيفها أمس في لبنان أيضاً . 

نقلت نوفوستي منذ يومين عن أستاذ مادة بوليتولوجيا العلاقات الدولية في جامعة لوفان الكاثوليكية البلجيكي بيير فيركوترين توقعه، بأن لا ترسل إسرائيل قوات إلى قطاع غزة هذه المرة. ويعتقد أن الصدامات ستطول وتستمر تظاهرات الفلسطينيين ويستمر سقوط المزيد من الضحايا بينهم، بل قد تتحول إلى إنتفاضة أخرى . ورأى أن إستمرار حماس في إنتاج الصواريخ في غزة  يشير إلى فشل إسرائيل ومصر في جعل الحدود المصرية مع الفلسطينيين "محكمة الإقفال" . 

موقع DW (الالماني) بالروسية، وفي نص بعنوان "وضع إسرائيل اليائس"، نقل عن معلق في صحيفة " فرانكفورتر الجماين" الالمانية  قوله بأن موجات العنف الجديدة في القدس تبين أن محاولات تجاهل الصراع الشرق أوسطي لن تفضي إلى زواله. وقد انشغلت إسرائيل في الفترة الأخيرة بالتقارب مع دول عربية، وحققت تقدماً مهماً في ذلك بفضل الدعم الذي تلقاه نتنياهو من إدارة ترامب. لكن قيام أصدقاء إسرائيل الجدد في الخليج بتقديم مصالحهم الإستراتيجية الخاصة على مصالح الفلسطينيين، لا يغير شيئاً في الوضع العام الميؤس منه. قليلون  في إسرائيل يصدقون أن الصراع يمكن حله بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية، والفلسطينيون من جانبهم يبقون منقسمين سياسياً، كما في السابق، وقيادتهم عاجزة عن الإتيان بعمل . 

كثيرون في الوضع الناشئ ينتظرون ردة فعل  موسكو على الحدث، وما يمكن أن تقوم به من خطوات كوسيط في نزاعات المنطقة، كما تحرص على تقديم نفسها، سيما وأنها على علاقة تاريخية جيدة مع الفلسطينيين، وصداقة "رفيعة المستوى" بين نتنياهو وبوتين. وقد توجهت "المدن" إلى عدد من الكتاب السياسيين في المواقع الإعلامية الروسية بسؤال عما يرونه في الحدث المقدسي، وعما إذا كان بوسع موسكو لعب دور الوسيط في الصراع . 

المعلق في وكالة نوفوستي، والنائب السابق لرئيس تحرير صحيفة الكرملين بيتر أكوبوف قال ل"المدن"، بأن الوقت قد حان "لتلعب روسيا دوراً"  في التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، "وقد يكون بمشاركة تركيا". وافترض أن تقوم روسيا بدعوة الطرفين إلى موسكو لإحياء الحوار الفلسطيني الإسرائيلي، سيما أن الفلسطينيين موافقون على ذلك منذ زمن طويل. لكن إسرائيل ترفض هذه الفكرة لأنها "تعول كثيراً" على دعم الولايات المتحدة . 

ويرى أكوبوف أن "من الضروري" أن تنتقل موسكو إلى سياسة الضغط على إسرائيل، مستندة في ذلك على جبهة واسعة من العالم العربي والإسلامي، وعلى الصين والهند والبلدان الإفريقية والأميركية اللاتينية. ويفترض أن بوسع الاتحاد الأوروبي حينها أن ينشط ضغوطه على إسرائيل، التي تصبح مجبرة على إجراء مفاوضات فعلية بشأن المسائل الإستراتيجية في التسوية الفلسطينية ووضع القدس. وعلى العالمين العربي والإسلامي إتخاذ موقف متضامن، برأيه، ويقترحان على روسيا لعب دور الوسيط في المفاوضات مع إسرائيل ، وعدم السماح للولايات المتحدة "بتدمير موقف الأمة الموحد" .

المعلق في صحيفة "NG" (الصحيفة المستقلة) والمتابع لشؤون الشرق الأوسط إيغور سوبوتين ، قال ل"المدن" بأن الوضع حول غزة والقدس الشرقية كشف عن ما يسميه "أزمة الوساطة"، إذ لم يتمكن الوسطاء من إطفاء الحريق في مراحله المبكرة. فالولايات المتحدة، وعلى مدى أسابيع، تجاهلت التحذيرات من سيناريو التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، والتي تبلغتها عبر مختلف القنوات. ويبدو "منطقياً جداً"، برأيه، نداء أردوغان لروسيا ل"المساعدة دبلوماسياً" في هذا الوضع، سيما أن للكرملين"علاقات رفيعة المستوى" مع نتنياهو، لكنها لم تسمح حتى الآن سوى بحل "المسائل المتعلقة بالملف السوري". إضافة إلى العلاقات "رفيعة المستوى" مع نتنياهو التي تؤهل روسيا لدور الوسيط ، يرى الكاتب أن موسكو أثبتت فعالية وساطتها بين الفصائل الفلسطينية. أما في ما يتعلق بالفكرة التركية إرسال قوات حفظ سلام إلى منطقة الصراع، يعود الكاتب إلى ما سبق أن قاله بشأنها الممثل الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، من أن إرسال قوات حفظ سلام "يتوقف على موافقة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي . لكن بوغدانوف يؤكد أنه "من دون موافقة إسرائيل لا يمكن تنفيذ هذه المبادرة" . 

الخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية والمعلق في موقع "Al-Monitor" كيريل سيميونوف قال ل"المدن" في إجابته عن السؤال عما إن كان بوسع روسيا التوسط بين طرفي النزاع، بأن موسكو تستطيع بالطبع "التوجه بنداءات" إلى طرفي النزاع  ونقل رغباتهما إلى بعضهما البعض. لكن من المستبعد أن تقبل إسرائيل بأن يكون طرف ثالث وسيطاً في  نزاعها مع فلسطين. ويمكن أن تقبل إسرائيل بوساطة روسيا مع بلدان أخرى، إنما بمشاركة الولايات المتحدة . 

الكاتبة والمتابعة  لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "Kommersant" ماريانا بالكينا أكدت في ردها على سؤال "المدن"، بأن "موسكو بمفردها لا تستطيع حل شيئ". وقالت بأن روسيا عملت وتعمل كبلد مشارك في رباعية التسوية الشرق أوسطية ( الأمم المتحدة ، الإتحاد الأوروبي ، الولايات المتحدة وروسيا) وتملك تأثيراً على الفلسطينيين . 

في نص للكاتبة نشرته في الصحيفة في 13 الجاري بعنوان "أرض الصواريخ. معركة القدس تحولت قصفاً لإسرائيل من غزة"، نقلت عن العضو السابق في الكنيست والخبيرة في معهد أبحاث في اليونان كسينيا سفتلوفا قولها، بأن رفع الأعلام الفلسطينية في اللد، والصدامات في الناصرة وحيفا والمدن الأخرى بين مواطني إسرائيل العرب واليهود، "هي أخطر من غزة" بالنسبة لإسرائيل. وتقول سفتلوفا المتخصصة بالشؤون العربية بأنه تتطور حالياً وسط العرب في إسرائيل عمليتان في آن معاً : الرغبة في الإندماج بالحياة الإسرائيلية وتطرف الشباب . 

صحيقة "NG" سابقة الذكر تنقل عن الباحث في جامعة أوكسفورد صموئيل رماني قوله ، بأن تعبير إدارة بايدن عن قلقها بشأن سلوك إسرائيل في القدس وغزة ، اثار إستياء محيط نتنياهو الشديد. ويعتبر أن هذا يمثل فرصة لروسيا التي كانت تحاول "بكل قوتها" أن تكون وسيطاً في النزاع العربي الإسرائيلي، وإذا لم تتمكن واشنطن من التوصل إلى التهدئة في هذه الأزمة، سوف تحاول موسكو عندها "لعب دور الوسيط البديل" .