ممثلية لحزب الله في موسكو؟

بسام مقداد
السبت   2021/04/10
© Getty

مع إنطلاقة محادثات فيينا غير المباشرة بشأن العودة إلى الصفقة النووية الإيرانية بين لجنتين فنيتين أميركية وإيرانية  ، نشطت طهران في تجميع أوراقها الرابحة ، الفعلية والمشكوك في حيازتها لها ، مقابل أوراق الولايات المتحدة الواثقة من فعاليتها ، بعد عودة الدبلوماسية الأميركية إلى سياقها التاريخي مع الحلفاء . قد تكون أهم الأوراق ، التي رفعتها طهران مؤخراً ، غير الخروج الجزئي السابق من بنود إتفاقية الصفقة النووية ، هي الصفقة الإستراتيجية مع الصين حول برنامج إستثمار مبلغ 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً  في النفط وشبكة الطرق الإيرانية ، سيما في الطرق ، التي تشكل جزءاً من طريق الحرير الصينية الجديدة . كما تعلن طهران ، أنها تأمل في عقد صفقة مشابهة مع روسيا ، التي يشكك الخبراء الروس بإمكانية حصولها ، وذلك لاستحالة المقارنة بين القدرات الإقتصادية الروسية مع الصينية ، ولكون إيران حليفاً ظرفياً وليس إستراتيجياً ، على قول الخبراء الروس . 

صحيفة "NG" الروسية نشرت نصاً في 4 من الجاري بعنوان " طهران تحاول إلغاء العقوبات الغربية بمساعدة بكين وموسكو" ، وآخر ثانوي قالت فيه "الشراكة مع إيران لا يجب أن تصبح عبئاً مالياً على موسكو" . قالت الصحيفة ، أنه بعد عقد  الإتفاق الإستراتيجي مع الصين ، إيران ستقترح توقيع إتفاقية كبرى مع روسيا أيضاً . ويعلن الإيرانيون مباشرة ، أنهم يريدون "تحييد سياسة الضغط الأقصى الأميركية" بمساعدة الصين وروسيا . إلا أن إمكانية روسيا على التعاون مع إيران لا تقارن مع القدرة الصينية . وإذا كانت بكين قد إقترحت على طهران إستثمارات بمقدار 400 مليار دولار ، فإن موسكو يمكنها ،  أن تقتصر على المحتوى السياسي والمعادي لأمريكا في الاتفاقية المستقبلية مع طهران.

موسكو ، التي تأمل طهران الإستعانة بها لإلغاء مفعول العقوبات الغربية  "هي ببساطة , لا تملك إمكانية توظيف مئات مليارات الدولارات في إقتصاد إيران" ، حسب  فلاديمير ساجين الباحث في مركز الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في  معهد الإستشراق ، والذي قال ، بأن مؤشرات العلاقات التجارية بين موسكو وطهران تجمدت عند نقطة واحدة لا تتحرك منها ، منذ توقيع الإتفاقية بين الطرفين لعشرين سنة مضت ، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما حينذاك  2 مليار دولار العام 2005 "ولم يتطور بعدها". ويقول ، بأن الصين بمثابة "طوق نجاة" لإيران في عزلتها ، لكن ليس مجاناً ، بالطبع، إذ تحصل بكين على "إمتيازات هائلة" في الإقتصاد والتجارة والسياسة والحقل العسكري ، وليس في إيران فقط ، بل وفي منطقة الخليج وسائر الشرق الأوسط . 

أما بالنسبة لروسيا ، فيذكر ساجين بالتاريخ الروسي الإيراني المليئ بالحروب (لا تمحى في الذاكرة الروسية مجزرة السفارة الروسية في إيران العام 1829 ، التي قتل فيها السفير ــــ الشاعر ألكسندر غريبايديف) ، ويقول ، بأن العلاقات بين روسيا وإيران عرضة لعوامل عديدة "بدءاً بالتاريخية منها وإنتهاءاً بالعوامل السياسية الإقتصادية الراهنة" . فبالرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين "عالية النبرة" ، إلا أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست إستراتيجية ، بل هي على الأرجح "شراكة ظرفية" . 

وتنقل الصحيفة عن رئيس إتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الآسيويين ... رأياً لا يتفق مع رأي الخبير أعلاه ، إذ يرى ، أن حظ عقد مثل هذه الإتفاقية بين روسيا وإيران "كبير للغاية" ، لأتها تتفق مع سياق السياسة الخارجية الروسية ورغبتها في تحدي العقوبات الغربية  ب"إبطال مفعولها" ، والتي قد تأتي تعميماً لجميع الإتفاقيات السابقة مع إيران ، وتتضمن تعابير "تنضح بعدائها لعقوبات الغرب" . 

حديث الخبراء الروس يشير إلى أن إيران قد حصلت فعلاً على ورقة الإتفاقية الصينية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة ، إلا أن الإتفاقية مع روسيا ، التي تسعى إليها إيران ، هي ورقة ، على الأقل ، مشكوك في الحصول عليها سيما أن الروس يتذكرون تاريخ حروبهم المتعددة مع إيران ، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجمد عند العام 2005 ، والتحالف معها ظرفي ، وليس إستراتيجياً ، كما مع الصين.  

لكن مع ذلك ، يبدو أن إيران مصرة على لعب ورقة "العلاقات الإستراتيجية" مع روسيا . ففي اليوم ذاته ، الذي إنطلقت فيه محادثات فيينا ، الثلاثاء في 6 الجاري ، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية  ومنها قناة "Press TV" الإيرانية الناطقة بالإنكليزية ، أن الحكومة الروسية بحثت مع وفد حزب الله في زيارته الأخيرة إلى موسكو إمكانية إفتتاح مكتب تمثيلي له في موسكو . 

موقع "news.ru" الروسي رأى في ما ورد في الإعلام الإيراني إنذاراً من حزب الله لروسيا ، وعنون النص، الذي نشره في 8 من الجاري بالقول "‘إما إسرائيل ، إما نحن : حزب الله يضع روسيا أمام خيار" ، وأضاف بعنوان ثانوي "حزب الله يخطط لإفتتاح ممثلية في موسكو" . قال الموقع ، أن مثل هذا التقارب الدبلوماسي بين الطرفين ، قد يُفسد علاقات روسيا مع شريكها الشرق الأوسطي الآخر إسرائيل ، التي تعتبر مع واشنطن حزب الله جماعة إرهابية . ويستعرض الموقع ما جاء في الإعلام الإيراني دون نقاش قريباً ، ويترك التعليق على علاقات روسيا مع حزب الله للباحث الزائر في معهد واشنطن للشرق الأوسط (MEI) أنطون مارداسوف . يقول الرجل ، أن موسكو كانت خلال سنوات طويلة تحاول الحفاظ على توازن هش ، حيث كانت ، من جهة ، لا تعترف بالأعمال الإجرامية للجماعة ، وتقوم القوات الروسية في آن معاً بعمليات مشتركة مع أعضائها على مسرح العمليات القتالية السوري. ومن جهة أخرى ، لم تكن السلطات الروسية تبدي إعتراضات ما على ضربات الطيران الإسرائيلية على مواقع القوى الموالية لإيران في سوريا ، معتبرة ، في الوقت عينه ، أن من واجبها مراقبة شحنات الأسلحة من سوريا إلى لبنان واحتواء أعمال حزب الله في عدد من المحافظات السورية . 

ويرى مارداسوف ، أن الوضع الراهن للعلاقات بين روسيا ولبنان يتطلب من اللاعبين تنسيق مواقفهما ، خاصة على عتبة الإنتخابات الرئاسية في سوريا ، وعلى خلفية اشتداد الشائعات التي لا أساس لها حتى الآن عن العودة إلى سيناريو المجلس العسكري السوري برئاسة الجنرال مناف طلاس ، الذي انتقل إلى صفوف المعارضة العام 2012 . 

ويعتبر الباحث ، أن القضايا الرئيسية ، التي توحد روسيا مع إيران وحزب الله ، هي المأزق السياسي في لبنان ومستقبل الرئيس الأسد ، الذي تمكن من الصمود حتى الآن ، لكنه لا يستطيع السيطرة على النفط والموارد الزراعية شرق البلاد ، ولا معالجة مسألة الإستقلالية الإقتصادية ، حيث أن هذه المسائل "تتطلب حلولاً وسطية جدية".

صحيفة "Novaya" الروسية المعارضة ، وفي نص بعنوان "سفراء غير مدعويين" (مستوحى من المثل الروسي عن الزائر غير المرغوب به ــــــ "الضيف غير المدعو أسوأ من التتري") ، ناقشت ما أعلنه تلفزيون "Press TV" عن أن الحكومة الروسية تبحث مع حزب الله إمكانية إفتتاح مكتب تمثيلي له في موسكو . واللافت ، أن الصحيفة تقارب الموضوع إنطلاقاً من اعتبارها حزب الله منظمة إرهابية وتقول ، بأن الإرهاب في العالم المعاصر أصبح ممكناُ ، لأن بعض البلدان حولته إلى أداة للسياسة الخارجية . 

تقول الصحيفة ، بأنه لم تصدر أية ردة فعل رسمية من روسيا على إعلان الإيرانيين عن إفتتاح مكتب لحزب الله في موسكو . وتؤكد ، أن مصادر دبلوماسية رفيعة في الخارجية الروسية "تنفي بشكل قاطع  إمكانية وجود مكتب  لحزب الله ــ بوصفه حزباً سياسياً وجماعة متشددة" . الإسرائيليون يعرفون على الأرجح ، برأي الصحيفة،  ، قيمة التصريحات المتلفزة لإيران ، التي ترفع "قعقعة سلاحها الدبلوماسي" ، محاولة الجلوس في آن معاً على مقاعد جيوسياسية متعددة ، ومعلنة قربها من روسيا . إلا أن روسيا كانت طيلة السنوات الماضية تغض الطرف عن قصف إسرائيل للمواقع الإيرانية في سوريا .