قراءة روسية لإغتيال لقمان سليم

بسام مقداد
الثلاثاء   2021/02/09
لم يكن من المتوقع من مواقع الإعلام الروسي الدائر في محيط الكرملين ، أن يولي أي إهتمام لإغتيال لقمان سليم ، سيما وأن هذا الإعلام حدد موقفه من إنتفاضة اللبنانيين منذ أن إنطلقت في خريف العام 2019 . فقد كتبت صحيفة الكرملين بعد أيام معدودة من إندلاع الإنتفاضة مقالة وصفت فيها الحدث ، بأنه " صراع جديد في الشرق الأوسط يهدد مصالح روسيا" ، وقالت بأن نقطة ملتهبة أخرى ، خمدت ليس من زمن بعيد ، قد تشتعل مجدداً على الحدود مع سوريا .  ورأت ، أن الأزمة السياسية لدى جيران بشار الأسد في لبنان تهدد بتدمير السلم الهش بين الطوائف . وتساءلت يومها عن القوى ، التي تقف وراء الأزمة اللبنانية الجديدة ، وما هي مخاطر الإضطرابات في بيروت على المنطقة برمتها ؟ وهل تستطبع روسيا "المصلح الشرق أوسطي الرئيسي" التأثير على الوضع. 

هذا الموقف من "الإضطرابات" اللبنانية ، ومن كل إنتفاضة شعبية تذكر سلطات الكرملين ب "ميدان" أوكرانيا ، الذي شهد إنتفاضات الأوكرانيين ضد أزلامها من حكام كييف ، لم يتغير طيلة هذه السنوات ، ويتعمم على كل من وما يتصل بالثورة اللبنانية . ولذا لم يكن مستغرباً من المواقع الإعلامية الروسية الرسمية ، وتلك التي تدور في فلك الكرملين ،  أن لا تلتفت إلى إغتيال لقمان سليم  ، وأن تقتصر أنباء لبنان فيها على موافقة الحكومة اللبنانية على إستيراد اللقاح الروسي ضد فيروس كيرونا ، وطلبها 200 ألف جرعة كمساعدات إنسانية ، حسب "تاس". 

المواقع الروسية الأخرى لم تتوسع في التعليق على الحدث ، واقتصرت تغطية معظمها (وهي من المواقع الثانوية والإقليمية)  على الإشارة إلى بيان حزب الله حول الإغتيال ، ومطالبته بالكشف عن المجرمين ومعاقبتهم . الموقعان الإتحاديان ربما الوحيدان ، اللذان خصصا نصوصاً مطولة نسبياً للتعليق على الإغتيال ، كانا موقع صحيفة "Kommersant" الإتحادية الكبرى والمعارضة ، وموقع صحيفة البرافدا الناطقة باسم الحزب الشيوعي الروسي. 

في نص بعنوان "الناقد المعروف لحزب الله لقمان سليم قُتل في لبنان" تقول البرافدا ، بأنها عملية الإغتيال الكبرى الأولى خلال السنوات الأخيرة لناشط رفيع المستوى . وبعد أن تنقل الصحيفة عن الأجهزة الأمنية اللبنانية قولها ، بأن "الدافع إلى الجريمة ليس واضحاً" ، تقول بأن سليم كان يترأس مركزاً بحثياً ، وصور أفلاماً وثائقية مع زوجته ، وكان يعمل في تكوين أرشيف عن الحرب الأهلية في لبنان بين العامين 1975 ــــــــ 1990 . وكان يقف ضد ما كان يسميه تكتيك الترهيب لحزب الله المدعوم من إيران ، ومحاولاته إحتكار السياسة اللبنانية. 

تنقل الصحيفة عن تسجيلات ويكليكس 2008 ، أن سليم أسس منظمة غير ربحية لتعزيز الحريات المدنية ، والتي حصلت على منحة في إطار المبادرة الأميركية للشراكة الشرق أوسطية ، وعملت مع مركز فكري أميركي . ويفترض أقارب سليم ، أن هذا بالذات كان الدافع لمقتله ، لأن إنتقادات سليم لحزب الله كانت تثير سخط أنصاره ، الذين صنفوه من "شيعة السفارة" متهمين إياه ، بأنه أداة أميركية . لكن الممثل الرسمي لحزب الله ، وكما تشير الصحيفة صرح ، بأن الحزب يدين هذا الإغتيال ، وليس له علاقة به. 

واختتمت الصحيفة نصها، الذي يشير إلى أنها تابعت الحدث وأصداءه بدقة ، وذكّرت بتصريح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ، الذي وصف فيه الإغتيال ب"الشنيع" ، ودعا إلى تسليم قتلة سليم إلى العدالة فوراً . وقال ، بأن من غير المقبول ، ومن الجبن إستخدام العنف والتهديد والترهيب لتقويض سيادة القانون ، أو قمع حرية التعبير عن الرأي والنشاط المدني . وأشارت ، إلى أن منظمات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة والدبلوماسيين الغربيين ، طالبوا جميعا بالتحقيق ، وقالت ، بأن سفير الإتحاد الأوروبي في طاجكستان رالف طراف غرّد قائلاً "إننا نأسف لسيادة ثقافة الإفلات من العقاب" . كما ذكّرت ، بأن مركز حرية الصحافة اللبناني "SKeyes" صرح ، بأنه يخشى التغطية على هذه الجريمة وعلى محاولات أخرى للقضاء على "رموز الفكر السياسي الحر". 

إلا أن النص الأبرز ، الذي تناول حدث الإغتيال ، وتناقلته مواقع روسية أخرى ، كان لإحدى أكبر الصحف السياسية الروسية"Kommersant" ، الذي عنونته قائلة "إنتقاد حزب الله سُكب رصاصات" . قالت الصحيفة ، بأن لبنان مصدوم بمقتل الناشط السياسي ومخرج الأفلام الوثائقية لقمان سليم ، الذي وقف على إمتداد سنوات عديدة ضد حزب الله الشيعي ، وضد النظام السياسي اللبناني ، المبني على تحالف الطوائف . وقالت ، بأن السلطات اللبنانية باشرت بالتحقيق بالجريمة ، وتطالب الأمم المتحدة بالكشف عن القتلة بأقصى سرعة ممكنة.

وتقول الصحيفة ، أن سليم كان في الأشهر الأخيرة بين أولئك ، الذين يلمحون إلى مسؤولية حزب الله عن الإنفجار في مرفأ بيروت صيف السنة الماضية ، كما كان يتحدث دائماً عن الفساد داخل الحزب ، وعن علاقاته بكبار المصرفيين . وطالت إنتقادات سليم المماطلة في التحقيق بالإنفجار في بيروت ، و اشتدت في الأسابيع الأخيرة ، بعد أن ظهرت معلومات عن علاقة محتملة بالإنفجار لرجال أعمال سوريين مقربين من دمشق ، مشتبه بشرائهم كميات من نترات الأمنيوم للجيش السوري ، عادوا ونقلوها إلى مرفأ بيروت. 

وبعد أن تعرض الصحيفة كافة التفاصيل ، التي أصبحت شائعة عن التهديدات ، التي كان يتلقاها سليم سابقا وفي الفترة الأخيرة ، وتلميحات ذويه إلى الجهة الضالعة في إغتياله ، تنقل الصحيفة عن مركز كارنيغي الشرق الأوسط قوله ، بأن نشاط سليم العلني وإطلالاته في الإعلام كانت ، في آن ، شذوذاً وإظهاراً  لشجاعة مدهشة ، لأنه كان يعيش وأسرته في معقل حزب الله ، محاطاً بأعدائه السياسيين , ويقول المركز ، بأن مقتل سليم "سوف يوقف حرية الكلمة" ، لأن الكثيرين سوف يخشون الآن إنتقاد السلطة ، سيما أنه جاء بعد جريمتي قتل غامضتين أواخر السنة الماضية : المصور جو بجاني ، الذي إشتهر بصوره لمرفأ بيروت ، والعقيد في الجمارك منير أبو رجيلي ، الذي كان على صلة بالتحقيق في تفجير المرفأ. 

وتختتم الصحيفة نصها بكلمات مؤثرة  في الراحل للمبعوث الخاص للأمم المتحدة جان كوبيش ، الذي ترك منصبه قبل أيام ، إذ طالب عبر تويتر بالتحقيق السريع في إغتيال سليم ، الذي وصفه ب"الناشط المحترم والصحافي" و"الصوت الشجاع ، الصادق والمستقل" . وقال ، بأن هذا التحقيق "لاينبغي أن يكرر مصير التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت ، الذي يبقى دون نتيجة بعد مرور ستة أشهر . الناس يجب أن تعرف الحقيقة" . وبعد ساعات أضاف كوبيش تغريدة أخرى إلى تغريدته السابقة قال فيها: "تستطيعون أن تقتلوا الصحافي ، لكنكم لا تستطيعون قتل رسالته . تستطيعون إسكات الإعلام ، لكنكم لا تستطيعون إسكات الحقيقة وحرية الكلمة . أرقد بسلام  أيها الشهيد لقمان سليم".