تبدل إيراني حيال لبنان

مهند الحاج علي
الإثنين   2021/02/01
وفقاً لمصادر متعددة، يحصل اليوم تبدل في الموقف الإيراني حيال عملية تشكيل الحكومة في لبنان. وهذا التبدل وليد عوامل متعددة. 

حركة الاحتجاجات في طرابلس وبعض الحراك المصاحب لها، وتحديداً في البقاع الشمالي، أثارت مخاوف على مستويين. بداية، احتمال إنتقال العدوى الى مناطق نفوذ "حزب الله" ما زال قائماً، كما حدث في 17 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019. كما أن الضغط على السياسيين السنة التقليديين، وتهميشهم يفتحا مجالاً لبروز تحد جديد أو صعود قوة جديدة تُعيد خلط الأوراق على الساحة اللبنانية. هناك في طهران ما يُوحي بالحرص على الطبقة السياسية بأسرها، بصفتها عنصراً مكملاً أو حاضناً لنفوذها في لبنان. المستوى الثاني من المخاوف على ارتباط بتدهور محتمل في الوضع الأمني نتيجة التراجع المتواصل في القدرات اللوجستية لأجهزة الدولة اللبنانية على وقع الانهيار المالي والاقتصادي. والضغط يزداد على القوى الأمنية، إن كان لجهة ارتفاع منسوب الجريمة نتيجة الوضع الاقتصادي، أو الاحتجاجات وآثارها، أو أيضاً الترهل الذي يُصيب الأجهزة بسبب شُحّ موازناتها وانخفاض القدرة الشرائية لعناصرها مع انهيار العملة.

مثل هذه المخاطر الأمنية واحتمال الانهيار الشامل يزيدان من الضغط على الحزب. ولإيران هنا مقاربة مختلفة عن سياستها في العراق حيث الانهيار والترهل الاقتصادي في قدرات الدولة جزء من الاستراتيجية الإيرانية. في دولة مجاورة كالعراق، تستثمر ايران في علاقات متشعبة، وفي إدامة الصراعات الداخلية، لتعزيز دورها. ليس هناك نموذج حزب اللهي في العراق أو حتى في أفغانستان (دولة مجاورة أيضاً)، ولو أن غالبية العراقيين شيعة. ولا يوجد مجهود مثلاً لدمج المجموعات الخمينية في حزب واحد. المجموعات المؤمنة بولاية الفقيه في العراق كثيرة، وهذا تناقض إيديولوجي لأن القيادة العليا والولاء واحد، لكنه أيضاً ضرورة سياسية.

هذا السياق المحلي للتبدل الإيراني الأخير في لبنان. دولياً، تنصيب الرئيس جو بايدن وتعيين روبرت مالي مبعوثاً إلى ايران، وعودة التعددية في الموقف الغربي حيال الملف الإيراني، عوامل إضافية. ذاك أن الضيق الفرنسي من طهران في لبنان، عامل سلبي في المفاوضات المقبلة. بقدر كون العرقلة في لبنان، ورقة في يد ايران، فإن أي تعاون مع الجانب الفرنسي، سيُشكل عاملاً مساعداً أو خطوة لبناء الثقة في هذا الاتجاه.

لكن كيف تُترجم هذه السياسة الإيرانية على الصعيد المحلي؟

الإشارة الأولى كانت إعادة تحريك الملف الحكومي من خلال فتح قناة تواصل أكثر فاعلية مع المعرقل الأساسي أمام التشكيل، وهو رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. الثانية كانت تصريح رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري أخيراً، بأن "العائق ليس من الخارج بل من "عندياتنا"، مُحدداً باسيل دون غيره من خلال تسمية "الثلث المعطل". وفقاً لهذا السياق، فإن الاتفاق هو على تشكيل ​الحكومة​ من إختصاصيين، دون أن ينتموا سياسياً أو الى زعماء محددين، بل أن يكونوا مقبولين بالحد الأدنى، ومن أصحاب الاختصاص والكفاءة، لكن التيار وحده نكث به. وفقاً لكلام بري نفسه، كما نقله الاعلام، "لا يجوز لأحد على الإطلاق الحصول على الثلث المعطل، وإلا لا قيمة للإختصاص ولا لوجود شركاء ولا لوجود حكومة يثق بها الداخل والخارج". ليس هذا الكلام محصوراً برئيس المجلس، بل لا بد أن يُعبر عن الثنائي ككل، حتى وإن صمت "حزب الله" عن عرقلة حليفه لأسباب تكتيكية.

إذا كان المتغير الإيراني صريحاً وجدياً، فلا بد أن نرى خلال الأسابيع المقبلة، ضغطاً أشد على التيار الوطني الحر، لتسهيل تشكيل الحكومة، وانهاء الجمود الحالي. لكن ذلك لن يكون نهاية العرقلة، بل بدايتها، على أن تتصاعد كلما اقتربنا من الاستحقاق الرئاسي.