عندما تدين جماعة"الاخوان"في سوريا..غارات إسرائيل

ساطع نور الدين
الجمعة   2021/12/31
© Associated Press

يلامس البيان الاخير لجماعة الاخوان المسلمين في سوريا والجدل الذي أثاره في أوساط المعارضة السورية، مسألة بالغة الدقة والحساسية، لطالما جرى التغاضي عنها وتفادي مناقشتها بهدوء، بعيداً عن الانفعالات والضغائن التي تحكم الحدث السوري الملتهب: وهي الدور الاسرائيلي المعقد في سوريا، الذي لا يرسم باللون الابيض أو الاسود، إلا في دعمه لبقاء نظام الرئيس بشار الاسد في السلطة.

بدت الجماعة، الصامتة نسبياً، وكأنها تخالف "إجماع الامة السورية"-إذا جاز التعبير- عندما أدانت الغارات الاسرائيلية الاخيرة على مرفأ اللاذقية، الذي وصفته بأنه "الرئة الاولى لسوريا"، وقالت ما حرفيته: "إننا سنظل متمسكين بحرمة شعبنا وأرضنا وبحرنا وجوّنا ضد كل أشكال الانتهاك والعدوان الصهيوني والروسي والايراني..ولن نمل من إدانة كل عدوان يقوم به العدو الصهيوني على أرضنا وشعبنا وديارنا".

هو في الأصل، موقف مبدئي متقدم، بالمقارنة مع سكوت بقية أطراف المعارضة السورية، أو فرحتها المكتومة- أو حتى المعلنة أحيانا، بمثل هذه الغارات التي تستهدف بشكل رئيسي مواقع إيران وحلفائها اللبنانيين او العراقيين أو غيرهم.. وقد سبق للجماعة بالفعل أن أدانت، الى حد الملل، مختلف الاعتداءات الاسرائيلية على سوريا وفلسطين ولبنان، ثم إستراحت، حتى ضرب الاسرائيليون "الرئة الاولى لسوريا"، مرتين في شهر واحد، في ما يبدو أنه منعطف جوهري في الصراع المحتدم بين حلفاء النظام وشركائه، على سوريا ومنشآتها ومرافقها الحيوية ومستقبلها.

الادانة بديهية، لكنها لم تتوقف عند هذا الصراع، ولم تشرح وقائعه ومعانيه، ولم تعبر عن موقفها و تقديرها لمآلاته. تفادت الجماعة عن عمد، الدخول في هذه التفاصيل، على أهميتها الفائقة، في قولها أنها تدين الاعتداءات الصهيونية، "سواء كانت خُلبية لإعطاء شعار المقاومة والممانعة الكذوب معناه، أو كانت نتيجة لصراع اللصوص على الضحية". وفي الحالتين اللتين لم تشرحهما ولم تدرك الفوارق بينهما، بدت "الجماعة" وكأنها منفصلة عن الواقع أكثر من أي وقت مضى. فالغارات الأخيرة التي إستفزت "الاخوان" أكثر من مئات بل آلاف الضربات الاسرائيلية السابقة، لم تكن مخادعة، أو صورية(خُلبية)، ضد الاهداف الايرانية، بل لعلها من أهم وأقوى الغارات تأثيراً ضد إيران ومواقعها ومصالحها السورية التي بلغت مرفأ اللاذقية.. وهي بالتأكيد ليست صراع لصوص مجهولي الهوية على التركة السورية. الغارات هي ذروة التنافس الاستراتيجي الروسي الايراني على الاستيلاء على سوريا. والطيارون الاسرائيليون كانوا يغيرون ، هذه المرة ، بأوامر مباشرة من غرفة العمليات العسكرية الروسية، ويلتزمون ببرامج شركات روسية معنية بالهيمنة على المرافىء والمطارات والقطاعات الاقتصادية السورية كافة، وطرد الايرانيين منها. ولذلك، بات الخطاب الرسمي الروسي، يضيف الى أهداف روسيا التقليدية من غزوها لسوريا، أي مكافحة الارهاب وإعادة الاستقرار ، هدفاً جديداً هو "الاسهام الروسي في إعادة بناء سوريا"، على ما جاء في برقية المعايدة التي وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى نظيره السوري بشار الاسد قبل أيام.

كان يتوقع من "الجماعة"، بعد الادانة، وبعد تعبيرها عن الحرص على ثروات سوريا ومرافقها الوطنية، أن تجادل في هذه الوقائع الإستثنائية. عندها كان يمكن للموقف المبدئي المقدّر، أن يمثل إضافة نوعية على وعي سياسي سوري مفتقد، وعلى دور سياسي سوري منشود.. وأن يخرج الجماعة السورية من العتمة التي حشرتها فيها تنظيمات وشبكات بل وعصابات إسلامية سورية، تشكل اليوم أكبر إساءة لجميع تيارات الاسلام السياسي، وأخطر تهديد لمستقبل الوطن السوري وبقية الاوطان العربية والاسلامية من دون إستثناء.

مع ذلك، فإن الجماعة، في بيانها الاخير، وبرغم ما أثاره من تشكيك متجدد بوطنيتها، قد تكون حفرت ثغرة صغيرة في جدار الموات السياسي السوري، يمكن أن تفتح باباً  لسجالات منتظرة حول مصير سوريا، وحول عدو تاريخي لا يحتمل الموقف منه أي مساومة، ولا يسمح له بأي إختراق للوطنية السورية، التي أثبتت بالفعل، طوال السنوات العشر الماضية، أنها عصية على الاختراقات الاسرائيلية..التي كانت ولا تزال نادرة في بيئة المعارضة السورية، وأصبحت فاقعة، بل فاضحة، في بيئة النظام وأنصاره، بدليل الغارات الاسرائيلية نفسها.

لعل بيان الجماعة يقدم خدمة إضافية متواضعة، إذا تمكن من لجم بقية أطراف المعارضة السورية وإلزامها بالصمت المطبق، إذا لم يكن لديها قولٌ ذو معنى، عن الدور الاسرائيلي في سوريا، الذي لا يختزل بالغارات العدوة على أهداف إيرانية معادية.