نحن فئران التجارب

مهند الحاج علي
الإثنين   2020/09/28
Getty©
في متن تعطيل "الثنائي الشيعي" للمبادرة الفرنسية نتيجة الصدام الأميركي-الإيراني بالإقليم، يقف اللبنانيون أمام موجات انهيارات أمنية ومالية وأيضاً أمام احتمالات حرب غير مستبعدة، أكانت محدودة أم شاملة.

على الصعيد الأمني، من الواضح أن الجيش اللبناني والأجهزة باتوا تحت ضغط متزايد، يترافق مع تراجع كبير في قدراتهم الشرائية. بكلام آخر، باتت الوظيفة الأمنية والعسكرية في لبنان تنطوي على مخاطر متزايدة، وبرواتب تتقلص قيمتها الشرائية يومياً. لا ثمن مادياً ولا معنوياً للمخاطرة والمجازفة في هذه الوظيفة. ومثل هذا التلاقي بين تقلص القدرة الشرائية من جهة، والمخاطر الأمنية المتزايدة من جهة ثانية، يعني أن الانهيار الأمني غير مستبعد في المدى المنظور أيضاً.

وانهيار منظومة دعم السلع الأساسية ومنها الخبز والوقود والأدوية، يطرق أبوابنا، وهو على ارتباط بتداعي الأمن أيضاً، إذ أن حوالى نصف اللبنانيين تقريباً باتوا فقراء وفقاً للحد الأعلى للفقر. ومن شأن أي رفع للدعم أن يُلقي بغالبية الشعب اللبناني في فقر مدقع، لأثره المباشر في رفع سعر الدولار في السوق السوداء، وأيضاً تدمير القدرة الشرائية للغالبية الساحقة من اللبنانيين.

المستوى الثالث في الانهيار هو الصدام السياسي المتصاعد. ذلك أن تراجع المبادرة الفرنسية لمصلحة الفراغ يعني تلقائياً رفع منسوب العقوبات الأميركية، وهي تصطحب معها انعكاسات سياسية على طريقة تعاطي "حزب الله" وحلفائه مع خصومه، وقراءته الضغط المتصاعد من الشارع، بصفته موجهاً.

المهم أننا اليوم أمام مسار تصعيدي، واحتمال وقوع تفجيرات "غامضة" كمثل ذلك الذي وقع في عين قانا، وارد، سيما في ظل قرار إيراني بعدم الرد خلال المرحلة المقبلة، كما جاء في تقرير لصحيفة "ذي نيويورك تايمز" أخيراً. وإذا كانت ايران لا ترد، قد تحتسب إسرائيل بأن "حزب الله" كذلك لن يرد على ضرب مخازن السلاح وبعض مواقعه. بل هناك من يرى اليوم أن الحزب قد أسس لمعادلة جديدة لا ردع فيها، بل تتضمن انتهاكات جوية مكثفة وضربات تقتل عناصره في سوريا دون رد، سوى بعض التحركات الرمزية على السياج. ومن المحتمل جداً أن يكون تفجير عين قانا اسرائيلياً، وقرر التنظيم التغطية عليه بصفته "خطأ فنياً" ثم شيّع أحد مقاتليه بعد أيام على الاعتداء تحت مسمى "الواجب الجهادي" الذي لا اطار جغرافياً له على الإطلاق. لكن إذا كان الانفجار اعتداءً، فما المانع من مواصلة إسرائيل ضرباتها بالتراضي، أي أن الطرفين يسكتان على الاعتداء ويُبرر التنظيم التفجيرات المقبلة بأسباب "تقنية" أو "فنية"؟

ظهور تنظيم "داعش" في الشمال ليس بعيداً عن هذا الانهيار الأمني بل هو في صلبه، والأرجح أن يؤدي الانهيار المالي المتواصل وانعكاساته الاجتماعية، إلى فتح أكثر من كوة في هذا الجدار الأمني، مع ارتفاع منسوب الجرائم المسلحة والاشتباكات الأهلية (كورنيش المزرعة، خلدة، عين الرمانة، طريق الجديدة).

ايران أو "حزب الله" أو كلاهما، قررا الانتظار لما بعد موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لإظهار حسن النية أو سوئها وفقاً للنتائج التي قد يطول أمدها نتيجة الاقتراع بالبريد. حسابات الانتظار الإيرانية، وطنية بالكامل، وتأخذ بالاعتبار الاحتياطي النقدي الإيراني والقدرة على صمود الداخل. أما حسابات الثنائية فعلى ماذا تعتمد؟ هل شارك معها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أرقاماً دقيقة عن القدرة على الاستمرار في الدعم لأسابيع عديدة إضافية؟ 

ليس هناك وضوح في الصورة، سوى في معرفة أن اللبنانيين هم فئران تجارب بلا قيمة ولا وزن في هذه السياسات الإقليمية.