بهاء يُساعد سعد مجدداً

مهند الحاج علي
الإثنين   2020/05/11
قبل عشر سنوات، وفي خضم معركة زعامة حزب "العمال" البريطاني، انتهت المنافسة الى صراع بين شقيقين هما أد ميليباند المتحالف مع النقابات والرافض لحرب العراق، وديفيد وزير الخارجية السابق الموالي لتيار طوني بلير عراب الغزو. انتصر أد. فاز بزعامة حزب "العمال" وخسر شقيقه الأكبر، رغم أن ديفيد، "المطعون بالظهر" كما وصفته وسائل اعلام بريطانية، صعد الى المنصة وهنأ شقيقه بعينين دامعتين، ثم انقطع عنه لسنوات. ذلك أن ديفيد كان قبل عام 2010 الأوفر حظاً بالزعامة وبالانتخابات أيضاً، وهو سبّاق اليها ولم يتوقع منافسة من أد. تلك الواقعة ظلت تلاحق أد مثل اللعنة، هو الرجل الذي طعن شقيقه بالظهر، خان الثقة بينهما وتسلق الى زعامة حزب لم يتقنها. إلى حد كبير، كانت هذه اللعنة وراء خسارته الانتخابات لمصلحة زعيم "المحافظين" حينها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون.

منذ ذلك الحين، يُحاول أد، وهو نائب في "العمال"، إصلاح صورته أمام الناس من خلال إعادة ترميم العلاقة مع شقيقه. أجرى قبل بضع سنوات مقابلة صحافية مع ديفيد أغدق فيها المديح عليه، وحاول رأب الصدع. عملياً، تحسّن العلاقة مع شقيقه، ستزيد من فرص أد في العودة للسياسة، وربما التنافس مجدداً على زعامة "العمال"، إلا إذا قرر ديفيد دخول هذا المعترك مرة ثانية. تلك الطعنة عرّفت أد، وأفقدت كثيرين من الناس الثقة فيه، وزادت من شعبية ديفيد عن بعد.

من هذه البوابة غير المُحبذة، قرر بهاء الحريري دخول السياسة اللبنانية عام 2017، حين ظهر اعلامياً كبديل بعد احتجاز شقيقه و"استقالته" من رئاسة الوزراء. اليوم، وفي ظل الأزمات الاقتصادية والمالية والصحية المتلاحقة، وبعد استقالة شقيقه وتعيين بديل له، قرر بهاء ولوج الساحة مجدداً من البوابة ذاتها. بعد الصدمة، وانشقاق هنا وهناك لأسباب غير سياسية، لا بد أن يكون لهذا الدور، رد فعل عكسي. ذاك أننا في بلد الغرائز القبلية والمذهبية والبطريركية حيث للثقة والولاء واحترام العائلة وزن في تقييم الزعيم، إضافة طبعاً للتسلط والقوة وغزو الآخرين. هذه لطخة تكوينية، سيما لمن اختفى من حياة الناس سنوات طويلة، ولم يعرفوه سوى للحظات غير مُوفقة في دفن والده.

الحقيقة أن بهاء عاملٌ مساعدٌ لشقيقه المتعثر في السياسة. النتيجة العكسية لدخول بهاء من هذه البوابة، تُشبه محطات كثيرة جدية في الحياة السياسية لسعد، غير الجدي، بدءاً باغتيال والده ونواب ووزراء ومسؤولين أمنيين، وانتهاء باحتجازه قبل الانتخابات بشهور. سعد الحريري نفسه لا يُشبه تلك التحولات والأحداث الدرامية المحيطة به. الأداء السياسي لهذا الرجل هزلي. عند صعوده لرئاسة الوزراء بعد موجات من القتل والتهديد والتبدلات الدرامية، تلعثم وضحك مثل تلميذ في الصف الثاني عند قراءته البيان الوزاري. كانت الدنيا تنزف دماءً وتنفث دخاناً، وهو لم يجد وقتاً للتمرن على قراءة بيان وزاري. لا يملك أي إنجازات يتباهى بها، ولا حتى فريق عمل يُعتد به في السياسة والاقتصاد ... والنزاهة.

لكن الحريري أشبه بـ"مستر بين" لبناني (Mr. Bean)، تُحيط به عواصف جدية من العيار الثقيل وأحياناً مؤامرات توراتية كإنفجار عظيم، ويسير بينها بخفة في التفكر والاقدام، ولا حليف له سوى الحظ. كلما انقلب عليه مناصروه بعدما ضاقوا ذرعاً بفشله على كل الصعد، أسعفه الحظ بحدث زلزالي. كان بحكم الميت سياسياً في نهاية عام 2017 لولا خطفه والإفراج عنه بمبادرة رئاسية فرنسية. 

واليوم، بعد انطلاق الثورة واستقالته العام الماضي، وفي ظل الانهيارات المالية، يأتي شقيقه للانقلاب عليه. يظهر كأنه الضحية المغلوب على أمرها والمهددة بالخطر، إذ يعود شقيقه للنيل منه بعدما فشل في الجولة الأولى. مرة أخرى سيحصد سعد ما لم يزرع، وسيجذب تعاطفاً من الناس دون مقابل. الحظ حليف له كل مرة، ولمناصريه ... الخيبة الأبدية.