الجوع أخطر من الكورونا

مهند الحاج علي
الجمعة   2020/04/03
هل نموت جوعاً أو مرضاً؟ هذا السؤال السوداوي اليوم يُطرح بقوة في بال الغالبية الساحقة للبنانيين. ذاك أن هناك ترجيحات بأن غالبية سكان هذا البلد باتت تحت خط الفقر. هكذا صرح مسؤول لبناني لوكالة "رويترز" يوم أمس، قائلاً إن توقعات البنك الدولي بأن يصير 40  ٪ من الشعب اللبناني تحت خط الفقر عام 2020 باتت بالية، ولا تنطبق عليها الوقائع الحالية، بل يجب إعادة مراجعتها في ظل أزمة الكورونا الطاحنة للاقتصاد والمالية العامة. الواقع أن واحداً من أصل كل لبنانيين اثنين اليوم هو فقير. وأكثر من ذلك، لو صحت التوقعات الأخيرة، فإن الفقراء أغلبية، وأبناء الطبقات أكانوا عمالاً أو موظفين أو أصحاب مؤسسات صغيرة ومتوسطة أو أثرياء هم أقلية. إذا كنت موظفاً تتقاضى راتباً حتى لو كان بالكاد يكفيك وعائلتك لآخر الشهر، فأنت أقلية في لبنان اليوم.

باتت المسيرات والاحتجاجات على الوضع المعيشي مكررة يومياً خلال الأسبوع الماضي، إذ من الصعب على الكثيرين من اللبنانيين تأمين لقمة العيش. ومن المستحيل أن تؤمن أحزاب السلطة، حتى الممولة خارجياً بالدولار منها، الحاجات الغذائية للبنانيين. جُلّ ما تستطيع هذه القوى الحزبية فعله هو العراضات الخدماتية والنفخ في أبواقها الإعلامية (البشرية) على الشاشات اللبنانية.

ومن المشاهد المكررة اليوم، محاولة مواطنين لبنانيين إحراق أنفسهم وتدمير ممتلكاتهم في ظل التدابير الأمنية الصارمة التي تنال من قدرة الانسان العادي على تأمين قوت يومه. هذه المدن والبلدات الفقيرة ليست واشنطن أو نيويورك أو لندن أو باريس، كي تُقفل بوجه أبنائها بهذا الشكل ودون تدابير اجتماعية تقي الناس خطر الجوع.

لبنان هو البلد الوحيد في العالم حيث تُتخذ هذه الإجراءات القاسية في وقت يُمنع الناس من التصرف بودائعهم في المصارف، ويعيشون في انهيار اقتصادي متواصل منذ شهور، تتدهور فيه العملة المحلية وتتبخر قدرتهم الشرائية معها. يُضاف إلى كل ما سبق أن هذه الدولة لا قدرات مالية لديها من أجل الإنفاق على المحتاجين خلال الفترة المقبلة.

الواقع أن تركيز الحكومة الحالية في مكان آخر، وهي تؤدي دوراً مزدوجاً في خدمة قوى السلطة. أولاً، تستغل هذه الحكومة فرصة أتاحتها إجراءات الفيروس، من أجل تصفية الثورة والقوى والناشطين فيها، بالاعتقالات وإزالة خيم الاعتصام. وثانياً، تفتح هذه الحكومة المجال واسعاً أمام أحزاب السلطة للعب أدوار استعراضية في مكافحة المرض. يومياً، تتوالى أنباء عن اعتقالات في صفوف ناشطين وملاحقات قانونية كأن شيئاً لم يحدث في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

لكن ما العمل؟ بالتأكيد، ليس من المطلوب إلغاء الإجراءات الاحترازية في مواجهة هذا الفيروس. في المقابل، من الضروري اتخاذ الإجراءات الاصلاحية الضرورية لفك أسر صغار المودعين في المصارف، من خلال توزيع الأعباء بشكل عادل ليتحمل أصحاب الودائع الكبيرة - وهم آلاف قليلة - العبء الأكبر، بدلاً من ملايين الناس ممن يملكون مئات أو آلاف الدولارات فقط في المصارف.

وعلى السلطة أيضاً أن تُطالب بشكل جدي بعودة مليارات الدولارات من الودائع المهربة، إن كانت أرباحاً للقطاع المصرفي وأصحابه، أو لأركان الحكم ممن استفادوا من غياب المحاسبة على مدى العقود الماضية. تُستخدم هذه الأموال في منع شبح الجوع عن ملايين اللبنانيين، وأيضاً في إطلاق عجلة الصناعات المحلية القادرة على تأمين آلاف الوظائف خلال فترة قصيرة.

لكن هنا نعود الى الحلقة المفرغة عينها. هذه السلطة وحكوماتها، حتى لو كانت من صنف الواجهة التكنوقراطية، لن تُعيد الأموال المهربة والمنهوبة، ولن تُقدم على إصلاحات حقيقية. هي تعتقل الناشطين، وتفتح مجالات للأحزاب، وتدفع صاحب سيارة أجرة لإحراق باب رزقه. تدفع بائع خضار لإتلاف بضاعته، وصاحب محل في صيدا لمحاولة إحراق نفسه. تُعيد الناس الى المنازل بوعود فارغة، ثم يأتي حزبي اليهم ليُقدم فتات الطعام وكمامة عليها شعاره التنظيمي. 

إنهم يعدون الناس بالجوع بعد المرض.